هالة العايد ومجد القضاة
هل أزمة الصحف الورقية التي تمر بها الصحف الأردنية هي مالية، أم سوء إدارة وشبهات فساد، أم أن التحدي الأكبر الذي تمر به هو “أزمة محتوى” غيّر مواكب ومناسب للوسيلة الأمثل لعرض المعلومات عليها يوازن بين الورق والموقع الإلكتروني ومواقع التواصل الإجتماعي، أم هي أزمة تدخلات حكومية ونقص معلومات مقدمة للصحفي.
مع بدء ظهور أزمة مالية في الصحف الورقية لام القائمون عليها (الإنترنت) وأكدوا أنها المسؤولة كلياً عن زوال الصحف الورقية تماشياً عما يحدث في العالم، لكن مع الوقت تبين أن للأزمة في الأردن أبعاد أخرى وأسباب أكبر.
ويبين الشكل أدناه معدل قراءة الصحف اليومية في الأردن- ابسوس 2019
ولا يمكن إنكار أن جزءاً من الأزمة التي تمر بها الصحف الورقية هو انعكاساً طبيعياً للأزمة الاقتصادية التي يمر بها السوق الأردني، والذي أثر بلا شك على حجم عوائد الإعلانات فيها. وهذا ما أكد عليه نور الدين الخمايسة مدير التحرير العام في صحيفة الغد”الأزمة الاقتصادية انعكست على الصحف الورقية من خلال تخفيض الميزانيات المخصصة في الشركات للإعلانات إلى أكثر من 60 % إلى 70% ” مما أدى إلى تخفيض حجم الإعلان بالصحف ما بين 35% إلى 50%، الأمر الذي أثر على دخل الصحف وعلى عوائدها المالية”.
في ضوء هذه المعطيات قامت الصحف اليومية الثلاث (الغد، الرأي، الدستور) بإيجاد حلول مؤقتة لحل هذه الأزمة، من خلال تخفيض عدد الصفحات، وإعطاء حوافز مالية للموظفين الراغبين بالاستقالة أو ممن هم على أبواب التقاعد، وأكد خالد القضاة عضو مجلس نقابة الصحفيين وسكرتير تحرير في صحيفة الرأي تخفيض كلف الرواتب على صحيفة الرأي من 400 ألف دينار أردني شهرياً إلى حوالي 300 ألف، حيث قال: ” المهنة الصحفية أصبحت مخترقة، فكان التعيين في بعض السنوات على أساس التنفيعات، ومن خلال العلاقات التي يقوم بها رئيس التحرير ومدراء الصحف، ومع مرور الوقت أصبح هناك تخمة في هذه المؤسسات. فذهبت إدارات الصحف إلى دفع بعض الموظفين إلى الاستقالة والحصول على الحوافز، لكن هذا العلاج مؤقت ولم يكن ضمن خطة تكاملية وكلف الصحف أعباء مالية سيظهر أثرها على المدى البعيد”.
الشكل أدناه يبين معدل الخسارة في صحيفة الرأي مقارنة بمعدل الأرباح-تقرير الرأي السنوي:
ولكن الأزمة المالية التي مرت بها صحيفة الرأي لم يكن مردها فقط الإنخفاض في مردود الإعلانات، بل أن سوء في الإدارة وشبهة فساد في موضوع مبنى مطبعة الرأي ومعداتها والتي إكتشف بعد شرائها أنها أكبر حجماً من المساحة المخصصة لها في الأرض الواقعة بجانب صحيفة الرأي. وقالت صحيفة الرأي في بيان لهاأن العطاء الذي أحيل على المقاول بلغت قيمته عشرة ملايين و 800 ألف دينار، غير أن (مخالفات مرتكبة) أدت إلى تكبيد المؤسسة مبالغ إضافية تقدر بـ 3 ملايين دينار .. مما يعني وفق للصحيفة، أن المبلغ الذي تم تسديده للمقاول يبلغ 4.13 مليون دينار من قيمة العطاء الأصلية أي بزيادة قدرها 24% من قيمة العطاء.
ويطالب اليوم المقاول بأمواله حيث عرضت أرض الرأي للبيع على المزاد العلني كما يوضح الإعلان القضائي التالي:
ويبين لنا الشكل التالي أرباح الإعلانات وإيراداتها في صحيفة الرأي (مليون دينار) – تقرير الرأي السنوي
وقالت نيفين عبد الهادي نائب مدير التحرير في صحيفة الدستور “أن أرباح الصحيفة كان تعتمد بشكل كبير على مبيعات مطبعتها للعراق وسوريا والتي تأثرت بشكل كبير بسبب ظروف الحرب التي تمر بها هذه الدول. وعزت خسائر الصحيفة إلى تأخر إداراتها المتعاقبة عن الرد السريع لتعويض خسائر المطبعة. وأكدت مؤخراً أنها قامت بصيانة المطابع والتي بدأت بدر الأرباح على الصحيفة بالإضافة إلى دعم الحكومة لها مالياً ومن خلال طباعة مناهج وزارة التربية التعليم فيها مما حسن من أوضاعها وعادت لدفع رواتب الموظفين بانتظام والتي كان يمر عليهم أشهر من العمل دون دفع رواتبهم”.
ويبين الشكل التالي صافي خسائر الدستور خلال الأعوام الثلاث الماضية- تقرير الدستور السنوي:
وقد كان هناك تحفظات على إدارات الدستور؛ بسبب إهمالإ لنقاط القوة لديها بحسب عبد الهادي إذ أنها تجاهلت نسبة توزيع الصحيفة العالية في المحافظات التي تفوقت فيها على زميلتها الغد، فلم تكن تخصص لها محتوى يستهدف سكان هذه المحافظات بشكل خاص كما توضح الخريطة أدناه:
خريطة توضح توزيع الصحف (الغد، الرأي، الدستور ) على المحافظات- ابسوس 2019
والجانب الآخر من الأزمة يعزا إلى خسارة الصحف اليومية لمصداقيتها وثقة قرائها، فلم تعد هي قائدة للرأي العام بل أصبحت إنعكاساً للتصريحات الرسمية ونسخة مماثلة للمحتوى المقدم على المواقع الإلكترونية التي يحصل عليها القراء بكبسة زر دون يكون القارئ مضطراً إلى الإنتظار لليوم التالي لشراء الصحيفة. وفي هذا قال خالد القضاة: “نحن نتحدث عن محتوى الصحيفة، الذي يجذب القراء وهو الذي يشكل الرأي العام ويلامس رأي الناس وتطلعاتهم ويعالج همومهم وهو القادر على إعادة المعلنين للصحف”.
وأكد نور الدين الخمايسة ” أن المحتوى في الصحافة الورقية ما زال بحاجة إلى التطوير وقال: “عملت الغد على حل المشكلة من أساسها حيث تدريب الصحفيين على الخروج من قوقعتهم التقليدية إذ واجهتنا جزئية مهمة لها علاقة بعقلية الصحفيين وبخبراتهم وما تعودوا عليه على مدار العشر سنوات أو أكثر. وأضاف قامت الغد بإجراء تغير تدريجي على المحتوى الورقي، بحيث يميل باتجاه التحقيقات والتقارير المعمقة والمقابلات الخاصة، بينما يميل المحتوى في الموقع الالكتروني باتجاه الأخبار لأن الأخبار أسرع انتشاراً…وفي الحقيقة إذا لم يحصل هذا التحول في أي مؤسسة إعلامية فسوف تواجه مصيراً محتوماً”.
أما بالنسبة لإبراهيم الغرايبة كاتب في صحيفة الغد إن الصحفيين يعملون ضمن مجتمع مغلق ويحاولوا في موادهم الإعلامية تجنب التطرق إلى مواد ممكن أن تؤثر على حياتهم الإجتماعية مما أثر على المحتوى المقدم إذ قال: من تجربتي الخاصة بالإعلام عندما نتناول قضايا يومية مثل الصحة والرياضة لا يوجد هناك حساسية، ولكن إذا تناولنا مثلاً خبراً موضوعه عن ضرب طفل ما بالمدرسة سيتصل بك مدير المدرسة ويتصل بأخوك وإبن عمك… لذا يفضل الصحفيون تناول قضايا (بتجيب البطولة وما بتجيب وجع الراس)”.
ولقد عزت نيفين عبد الهادي أزمة المحتوى إلى الظلم الواقع على الصحف الورقية من خلال سرقة أعمالها من قبل المواقع الإلكترونية ، دون حتى ذكر المصدر، فالنسبة لها جميع المواد الغنية والقيمة هي التي تصدرها الصحف وتأخذها المواقع بسهولة لتفقد الصحف بذلك ميزة عرض هذه المواد بشكل حصري على أوراقها.
وأضافت عبد الهادي أن نقص المعلومات المقدم من الحكومة له دور كبير بتقديم محتوى هش لا يواكب تطلعات القراء، مما يضطره إلى كتابة مادة إعلامية بطرق غير شرعية أو تقديم محتوى فارغ قد يثير الإشاعات أو لا يزيد من المعلومات الموجودة لدى العامة عن تلك الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي وقالت:” “الناطق الإعلامي لا يعلم ما يحدث في مؤسسته، وبعضهم يتفاجأ بالمعلومة التي يطلبها الصحفي ويحصل عليها من الصحفي نفسه وليس من خلال وزارته خصوصاً في الأزمات. فعلى الجهات المعنية وضع خطة إعلامية واستراتيجية للتعامل مع الظروف الاستثنائية؛ لتوفير معلومة صحيحة ومادة إعلامية قوية تعيد ثقة المواطنين بالصحف والحكومة على حد سواء”.
وأكد يحيى شقير، الخبير في قوانين الإعلام في الأردن إن معظم الإعلاميين الأردنيين في إستطلاعات الرأي كانوا يشكون من عدم تزويدهم بالمعلومات بالسرعة الممكنة، ويُتَهمون بعد ذلك بالتقصير وعدم الدقة في موادهم الصحفية وقال: “في آخر مؤشر لتقييم قوانين الحصول على المعلومات العالمي (RTI-Rating) الأردن أخذ المرتبة 115 من 123 دولة، أي أنه ضمن أسوأ 10 دول في العالم، هذا وقد مر ما يقارب 12 عام على صدور ) قانون ضمان حق الحصول على المعلومات عام2007) . وأضاف “بحسب دراسة أجرتها مؤسسة أريج- إن الصحفيين من الأقل إستعمالاً بين المواطنين لقانون الحق الحصول على المعلومات وذلك لأن القانون لا يلبي شرط الاستعجال وهو أساسي في عمل الصحافة والإعلام”.
وقد ذكر عدد من الصحفيين أن من أسباب هشاشة المحتوى المقدم هو تأثير التدخلات الحكومية، كونها تملك حصة مالية كبيرة في كل من الرأي والدستور، بالإضافة إلى عدم فعالية القوانين والتشريعات خصوصاً قانون الجرائم الإلكترونية الذي ساوى بين الصحف والمؤسسات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. إذ قال راكان السعايدة نقيب الصحفيين معلقا على دور قانون الجرائم الإلكترونية في ضبط المحتوى الإعلامي: “لا يوجد ضرورة للقانون بأكمله، فالجرائم الإلكترونية يمكن معالجتها عبر قانون العقوبات أو قانون المطبوعات والنشر أو غيرها من القوانين، فهو يهدف لتغليظ العقوبات المرتبطة”.
واتجهت صحيفة الغد نحو تدريب الصحفيين على تحدي الخطوط الحمراء المقدمة وتدريبهم على الكتابة القانونية بحيث لا تتم ملاحقتهم وقال الخمايسة، “المطلوب من الصحفيين أن يتقنوا مهارة ملامسة الخط الأحمر ومحاولة دفعه إلى الأعلى أكثر، مع الأسف إذا كان الخط الأحمر عند مستوى عشرة فالصحفيين يعملون عند مستوى سبعة. في المرحلة الحالية مستوى الحريات جيد وإذا كان هناك تدخلات فهي تتعلق بالشؤون السياسية والأمنية، لكن لا يوجد هناك تدخلات بالإعلام المجتمعي ، بالعكس المطلوب أن نسلط الضوء أكثر على قضايا الناس”.
لاشك أن أزمة الصحافة الورقية أزمة عالمية… ولكنها في الأردن لها أسبابها الخاصة التي تميزها من شبهات الفساد، وهشاشة المحتوى إلى النقص في الحريات الصحفية وشح المعلومات المقدمة. فهل ستستمر الصحف الورقية لأجيال قادمة ويستمر دور الإعلام الصحفي الورقي في إنتاج الخبر والتقرير ذا الجودة العالية والإستقصاء عنه كسلطة رابعة تراقب عمل الحكومة وتتحدث باسم الجمهور وليس فقط نقل الخبر ولصقة.