حازم المستريحي ووليد زايد – بناء مدرسة جديدة في منطقة ما يتطلب وجود معايير ومتطلبات تربوية محددة، هذه المعايير تتعلق بعدد الطلبة في الصف وعدد الطلبة في المرحلة، وهذا ما يحكم إنشاء مدرسة جديدة حسب أمين عام وزارة التربية والتعليم سامي السلايطة، معايير قد تبدو عائقا أمام إنشاء المدارس الجديدة في المناطق النائية من محافظة جرش.
محمد سالم أب عنده أحد عشر ابنا وابنة جميعهم أخرجهم بعد إنهائهم للصف السابع وعدم إرسالهم لإكمال مرحلتهم الثانوية، يقول سالم: ” ما فيه مواصلات، ولا فيه مدرسة، والمسافة بعيدة للمدرسة تصل لـ 6 كيلومتر، وما في أحد يؤمن على بنته تطلع هذه المسافة خاصة أن الطريق غير مأهولة بالسكان”. واعتبر سالم أن المسؤولية في هذا الأمر تقع على الحكومة على اعتبار أن المشكلة ليست حديثة وإنما تعود إلى العام 1996 عندما استؤجر مبنى لإقامة مدرسة أساسية ومنذ ذلك الوقت هناك حاجة لإيجاد حل لطلبة المنطقة، ويستغرب سالم عدم لجوء الوزارة إلى استئجار مبنى آخر أو توسيع المدرسة الحالية لحل هذه المشكلة التي حرمت أبنائه والكثير من أبناء المنطقة من مواصلة تعليمهم.
أبناء محمد سالم لم يكونوا الوحيدين، فالسيدة الستينية جميلة السعد تحدثت عن بناتها الثمانية اللواتي تركن تعليمهن ما بين الصف السابع والصف العاشر نظرا لبعد المدرسة عن مكان سكنهن ووعورة الطريق التي تمر بأحراش ومناطق برية تعرقل وصولهن وتمنع وصول المواصلات إلى منطقتهن، تقول جميلة: “والله حرام ينحرموا من التعليم بسبب المواصلات وبعد المدارس”. مضيفة أن بعد المدارس يترتب عليه ارتفاع تكلفة المواصلات وزيادة الأعباء المادية عليها، ولجميع هذه الظروف المعيقة للعملية التعليمية لم تتمكن بناتها من مواصلة مسيرتهن التعليمية.
إدارة مدرسة الديسة الأساسية في جرش ممثلةً في مديرتها الأستاذة بسمة الرواشدة تقول إن الوضع الذي يعيشه الطلبة كون المدرسة تعتبر في منطقة نائية وتحيط بها منطقة ملئية بالأحراش تدفع الأهالي للتوقف عن إرسال أبنائهم للمدارس البعيدة بعد الصفة السادس والسابع على أقصى تقدير، مشيرة إلى أن هذا الحال يصعّب الأمور على الكادر التعليمي في المدرسة إذ يضطر الأساتذة والمعلمات للسير مسافات طويلة تبلغ حوالي 2 كيلومتر ذهابا وإيابا للوصول إلى المدرسة.
كما أشارت الرواشدة إلى أن هذه المعيقات ليست الوحيدة التي تواجه العملية التعليمية في مثل هذه المدارس في الماطق البعيدة، فمدرستها على سبيل المثال تعاني من عدم التمتع بالخصوصية فكون مبنى مدرسة الديسة هو مبنىً مستأجرا جعل من ساحة المدرسة ساحة مشتركة مع الجيران والبيوت التي تشترك مع المدرسة في الأرض حالها حال المدخل الذي يشترك في الطلبة مع الجيران كذلك، الأمر الذي يحرم طلبة المدرسة من التمتع بحياة مدرسية حقيقية.
بالحديث عن الصعوبات التي يواجهها طلبة المناطق النائية في جرش، تقول مساعدة مديرة مدرسة نحلة الثانوية للبنات في ذات المحافظة منال العمري إن وجود المدرسة في منطقة ذات طبيعة وعرة وكثافة شجرية كبيرة تعيق من وصول الطلبة إلى مدرستهم، وتضيف العمري أنها تشتكي كثيرا من تأخر بعض الطالبات عن الدوام بسبب بعد المسافة وعدم وصول المواصلات إلى المدرسة وتقول: “عندما تصل طالبة متأخرة وتقول لي أنا خرجت من البيت للمدرسة الساعة السادسة والنصف صباحا أنا كمعلمة ماذا يمكن لي أن أقول لها؟”، مشيرة إلى أن رحلة الوصول إلى المدرسة في الشتاء تزداد صعوبة للطالبات اللواتي يصلن إلى المدرسة وتبدو عليهن آثار الطريق الطويلة كاتساخ ملابسهن وأحذيتهن بالطين.
مدرستا الديسة الأساسية ونحلة الثانوية للبنات تقعان في مناطق بعيدة جغرافيا في محافظة جرش حسب وصف مدير التربية في المحافظة الدكتور حسين السعيدين، الذي اعتبر أن حال هاتين المدرستين كحال العديد من المدارس المستأجرة البعيدة في المحافظة إذ تشكّل عبئاً على المديرية التي تسعى بشكل مستمر لإيجاد حلول للحفاظ على سير العملية التعليمية في هذه المدارس بالشكل المناسب، فمؤخراً أخرت المديرية وام الأساتذة مدة ربع ساعة في المدارس البعيدة حتى تسهل عليهم وتمكنهم من الوصول إلى مدارسهم وتخفيف عبئ بعد المسافة عليهم.
وقد تحدث السعيدين عن أن الوزارة تقر ببعد المدارس عن المناطق السكنية في المحافظة وهي تسعى لتحويل هذه المدارس ذات المباني المستأجرة إلى مبانٍ حكومية، رغم قلة عدد الطلاب في بعض هذه المدارس ولكن حتى تشكل هذه المدارس حلّا يخدم الطلبة في عدة مناطق مختلفة حول المناطق المقامة فيها هذه المدارس.
وحول بعد المدارس عن خطوط المواصلات العامة قال السعيدين إن مديرية التعليم في جرش توفر حافلتين لمدرسة واحدة فقط في المحافظة وأن المديرية لا دور لها في توفير وسائل النقل لأي من هذه المدارس البعيدة معتبرا أن هذه المسؤولية تعود على مؤسسة النقل العام، شأنها في ذلك شأن باقي مديريات التعليم في المملكة.
المدارس المستأجرة في محافظة جرش يبلغ عددها 42 مدرسة من أصل 179 مدرسة حكومية أي ما نسبته 23% من المدارس الحكومية، وهي بالأساس بيوت ومبانٍ مخصصة للسكن ولم تبنى لتكون مدارس.
وحول البئية التعليمية في هذه المدارس وانعكاسها على أداء الطلبة، اعترف السعيدين أنه نفذ جولة لجميع المدارس المستأجرة في المحافظة، وبناءً على ما تم رصده فإن بعض هذه المدارس لا تتوافق مع المواصفات المطلوبة والمحددة من قبل وزارة التربية والتعليم، إذ أنه لا توفر بيئة مناسبة للتعليم. وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على أداء الطلبة الأكاديمي في هذه المدارس، إذ أن تقارير الإشراف التربوي الواردة للمديرية عن المدارس البعيدة تؤكد أن النتائج للطلبة في هذه المدارس متدنية وهو الأمر الذي يثير استياء الأهالي أيضا. وقد أرجع السعيدين أحد أسباب هذا التراجع الاكاديمي لدى الطلبة بقلة التنافسية نتيجة قلة عدد الطلبة في الصف.
مخاوف الاهالي يلخصها كل من محمد سالم وجميلة السعد حول المستقبل المجهول الذي ينتظر أبنائهم وأحفادهم وأبناء المنطقة التي يقطنون فيها نتيجة الصعوبات التي يواجهونها الأطفال للوصول للمدارس الموجودة وعدم وجود مدارس قريبة تمكنهم من إكمال تعليمهم الثانوي، مطالبين بإيجاد حلول لهذه المشكلة العالقة عبر شراء أرض وإقامة مدرسة تلبي احتيجات الطلبة التعليمية.