بداعي الشرف تسلب المرأة حريتها في الأردن

Posted by
ميلاد الزعبي- “دمك مهدور” هذا ما قاله والد سارة – اسم مستعار- لها عندما علم أنّها أٌغتصبت من رجلٍ كان يريد الزواج منها، هربتْ سارة من المنزل ولجأت إلى أحد شيوخ العشائر فسلمها إلى محافظ الزرقاء، وما كان من الأخير إلا أنْ أوقفها إدارياً في مركز إصلاح وتأهيل “الجويدة”.

مُغتصبها الذي تعرفت عليه قبل عدة سنوات من حادثة الإغتصاب، كان قد وعدها بعدةِ امور منها أنه سيجعلها تكمل دراستها بعد أن رفض والدها ذهابها إلى المدرسة وهي إبنة سبعة عشر عامً بحجة الظروف المالية، تقول سارة “كنت متفوقة بالمدرسة، وكنت حابب أكمل دراستي واصير شيء واساعد أهلي”.
الشاب تقدم لسارة مرات عدة لكن والدها رفض، تكرار الشاب على طلب سارة أغضب والدها الذي يعمل كنجار في البناء فاعتدى على إبنته وأدخلها المشفى لعدة أيام بعد أن سبب لها كسور في يدها وفخذها وإستمرت بالعلاج لفترة طويلة، تقول سارة “مكان الضرب لسى معلم بجسمي لحتى هاي اللحظة” وتضيف “اسم أبوي بس أسمعه بموت من الخوف”.
بعد أن رٌفض الشاب إستدرج سارة إلى إحدى الأماكن وقام بإغتصابها، وبعد شهرين من الحادثة بدأت تشعر بأعراض الحمل، فبدأت محاولة إسقاط الجنين دون علم أحد سوى تواصلها مع صديقتها ومغتصبها، فأشارت عليها بأخذ حبوب للتخلص من الجنين قبل ان ينفضح أمرها، نجحت في إسقاط الجنين لكنها لم تنجح في إخفاء فقدان عذريتها بعد أن تخلى عنها الشاب، لتهرب من المنزل وتلجأ إلى أحد الشيوخ الذي بدوره أحضر المُغتصب وبلغ الجهات المعنية وسلمهما إلى الحاكم الإداري “محافظ الزرقاء”.
وبعد إنقضاء نحو شهرين من إيقافها إدارياً خرجت العشرينية “سارة” من مركز الإصلاح والتأهيل بعد موافقتها على تزويجها من مُغتصبها والتسريح بضمانته، لكن هذا الزواج لمْ يدم أكثر من ثلاثة أشهر بعد أنّ طلقها مُغتصبها، فعادت سارة تبحث عن حضن عائلتها الذين رفضوا إستقبالها وأغلقوا كل الأبواب في وجهها.
حاولت “سارة” العمل في إحدى المصانع التي عملت فيها قبل حادثة إغتصابها، لكن مدير المصنع طردها من مكتبه ورفض إعادتها إلى العمل بعد معرفته بالقضية من بعضِ زميلاتها، رفضها الجميع فما كان لها ملجأَ إلا الشارع كـ ملاذها الأخير.
توجهت “سارة” إلى إحدى الفتيات لمساعدتها بإيجاد سكن يأويها وكان لها ذلك، لكن ذلك السكن كان مخصص للفتيات الغير أردنيات “عاملات منازل”، لتبدأ معاناتها في الفرار من صاحب العمارة كلما جاء في جولة شبه يومية لتفقد السكن، وما كان منه عندما علم بوجودها إلا محاولة طردها و إبتزازها، تقول “سارة” :”تم إستغلالي في السكن جنسياً، وكانت هذه بداية طريقي إلى مُستنقع الأعمال غير المشروعة”.
“سارة” التي فقدت بوصلتها في إيجاد مساعدة من الإستغلال الجنسي وعدم مقدرتها على معرفة طريقة لحل مشكلاتها، وعدم إستطاعتها على إيجاد مكان تأوي إليه، جعلها تقدم  تنازلاً تلو الأخر، وتضيف والدموع تترقرق في عينيها: “تمنيت أن يتواصل أحد معي بعد خروجي من السجن من الجمعيات أو المؤسسات التي تستطيع مساعدتي، لكنني إضطررت لإرتكاب أخطاء لو وجدت مساعدة ما إرتكبتها”.
سارة تقطن اليوم في إحدى أحياء عمان، وتعمل في أعمال الدعارة، وهي واحدة من فتيات كثر تم إيقافهن إدارياً على خلفية قضايا ما يسمى بـ “الشرف”، لم تستقبلهن أُسرهنّ ولمْ يجدنّ الدور في إعادة دمجهن في المجتمع، الذي تُعنى به مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية.

التوقيف الإداري “بداعي الشرف” : وهو حجز الحرية للفتيات من قبل الحاكم الإداري،  بعد تهديد الأهل لهن بالقتل بسبب اتهامهم أو ضبطهم في حالات تتعلق بالشرف.

مهام الحاكم الاداري بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية:
يعتبر الحاكم الإداري سواءً “محافظاً” أو “متصرفاً” جهة تنفيذية تتبع وزارة الداخلية، ولكن أٌنيط إليها العمل أيضاً كجهة قضائية “ضابطة عدلية” حسب قانون منع الجرائم عام “1954” في إيداع وإيقاف وحبس الحريات بدواعي الحفاظ على الحياة أو إخراج الناس من مساكنهم كما يحصل في الجلوة العشائرية، وتتم هذه الإجراءات بناءاً على قناعة الحاكم الإداري ودون الرجوع الى حكم أو قضاء، ومدة الإيقاف غير مقترنة بزمن محدد فهي مفتوحة بين بضعة أيام إلى عشرات السنوات.
ويستند الحاكم الاداري بتلك القرارات على نص المادة “3” من قانون منع الجرائم “1954” في ايقاف الاشخاص حيث تتيح المادة للحاكم الاداري ايقاف الاشخاص الذين “على وشك إرتكاب أي جرم أو المساعدة على إرتكابه”، ومن “إعتاد” اللصوصية أو إيواء اللصوص أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة، أو كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً  بلا كفالة “خطراً على الناس.”
وتبين بيانات مديرية الأمن العام أن عام (2017) شهد إزدياداً في أعداد الموقوفات ادارياً عن العام (2016) حيث بلغت الزيادة (856) نزيلة، كما هو موضح في الشكل التالي:

كما تظهر البيانات ان عام (2017) شهد نمواً كبيراً في أعداد الموقوفات إدارياً مقارنة في السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغت نسبة التغير بين عام (2013) و (2017) بنسبة تزيد عن (65%) ويوضح الشكل ادناه مقدار الزيادة في اعداد الموقوفات ادارياً في الخمس سنوات الأخيرة:

ويرى “خلف المحاسنة” (محافظ سابق) أن قانون منع الجرائم نص على صلاحيات الحاكم الإداري لكنه لم ينص بشكل مباشر على “التوقيف الإداري” بل جاء القانون بطريقة تضمينية، فالحاكم الإداري يستمد صلاحيته من قناعته والمصلحة العامة، كما أنه قد تأتي توصيات من مديرية الشرطة المحولة للموقوف، وتعتمد تلك التوصيات على مقدار الخطورة التي قد تأتي من الشخص او تأتي عليه.
ويؤكد أن النص مرهون بإحضار كفالة فلا يجوز الإبقاء على الموقفين إدارياً في حال حصل على كفالة من شخص رأى به المحافظ أنه يمكنه سداد الكفالة وللمحافظ بأي وقت رفض تلك الكفالة فلا بد من اقتناعه بالكفيل، وأكد المحاسنة “رغم أن النص القانوني واضح لكن أحياناً يضطر الحاكم الإداري إلى رفض إخراج الموقوف بالذات الإناث الموقوفات بداعي الشرف حفاظاً على حياتهن”.
المحاسنة لم ينكر أن هناك حالات إيقاف تعسفية وأن هناك عدة جهات تتدخل في توقيف الأفراد إدارياً، ولا يُشترط وقوع جريمة للإيقاف فمجرد توقع الجريمة قبل حدوثها قد توقف الأشخاص، ويقول “أحياناً يتم اللعب بموضوع التوقيف لغايات التخويف والإبتزاز” ويضيف “أحياناً يأتي الحاكم الإداري كتاب ينص على إيقاف الأشخاص فترة محددة من قبل الجهة المحولة للحاكم الإداري”، ويرى المحاسنة أن قانون منع الجريمة إستثنائي وغير طبيعي، لكن ما يجري في المجتمع يستلزم وجود مثل هذه القوانين، فيقول “تركيبة مجتمعنا هيك”.
وترى منظمة “هيومـن راتس واتتش” في تقرير نشر لها تحت مسمى “ضيوف المحافظ”  تقول فيه “يقلب المحافظون مبادئ العدالة رأساً على عقب، لقيامهم بمعاقبة الضحايا بدلاً من مقاضاة من صدرت عنهم التهديدات. ” وأضاف التقرير ” رهن الحبس الوقائي رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى، ولا تُتاح لهم سبل فعالة للطعن في احتجازهم.”
وأظهرت بيانات مديرية إدارة “مراكز الإصلاح والتأهيل”، أنه وبالخمس سنوات الأخيرة (2013-2017) قام الحاكم الإداري بوقف ما نسبته (61.7%) من النساء المودعات بمراكز الإصلاح والتأهيل، بينما أظهرت البيانات أن (13.54%) من المودعات صدر في حقهن أحكام من المحاكم على قضايا، الجدير ذكرة هنا ان الفتاة وإن حوكمت على قضايا تتعلق بالشرف فهذا لا يعني خروجها من مراكز الإصلاح والتأهيل بعد اتمام فترة محكوميتها فلا بد أيضاً من كفالة أحد أقاربها، ويوضح الشكل نسبة الموقوفات إدارياً إلى الموقوفات والمحكومات بقضايا، وأظهرت البيانات أن هناك (7) فتيات أنهينّ فترة محكوميتهنّ في عام (2017) وما زلن موقوفات إدارياً.

تتضارب مهام المحافظ مع قانون “الحماية من العنف الأسري” رقم 51 لسنة2017 المنشور على الصفحة “4433” من عدد الجريدة الرسمية رقم “3345” بتاريخ 16\5\2017 حيث صرح القانون أن الجهة صاحبة الإختصاص بقضايا العنف الأسري هي “إدارة حماية الأسرة” ومن الواجبات الموكولة إلى حماية الأسرة “نقل المتضرر وبموافقته إلى مكان أمن اذا اقتضت الضرورة ذلك وبالتنسيق مع الوزارة”، وبالرغم من وجود هذه المادة لكن القانون لم يحدد المكان وصاحب الإختصاص في إعتبار المكان آمن أو غير ذلك، بالأضافة إلى أن القانون يشترط موافقة الموقوف للنقل.
طرق الإفراج عن الموقوفات إدارياً بداعي الشرف محدودة
بعد إيقاف الفتيات إدارياً “بداعي الشرف” يكون هناك خيارات للإفراج عنهن، ومن بين تلك الخيارات أن يوقع ولي أمرها كفالة عند الحاكم الإداري لضمان حياة الفتاة، وغالباً ما يكون من هدد حياة الفتاة هو ولي أمرها نفسه، وبحسب رئيسة جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” المحامية “أنعام العشا” أنّ هذه الكفالة “غير موجبه وشكلية” وفي كثير من الأحيان بعد خروج الفتيات بهذه الطريقة يتم تصفيتهن، على حد قولها.
ويعلق “المحاسنة” على الكفالة بقولة “صاحب الحق في تفعيل الكفالة هو الحاكم الإداري، وهو الوحيد الذي يحق له المطالبة بها عن طريق تحويلها الى المحكمة، لكن من النادر ان يطالب بها”، ويضيف “بتظل الكفالة حبر على ورق، والي يتم قتلهن بداعي الشرف بعد تسليمهن بكفالة مش ذنب المحافظ، الإجراءت إلي مطلوبة من المحافظ اتخذها”.
وأشارت “العشا” إلى أنّ من بين الخيارات المتاحة أيضاً وبالذات في حالة الإيقاف بداعي ما يسمى “الشرف” يتم تزويج الفتيات من أحد الأشخاص وتسليمها له بواسطة الحاكم الإداري والجهات المُختصة، فتخرج الموقوفة بحماية زوجها الجديد الذي قد تكون لا تعرفه ولم تلتقي به من قبل.
جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” قالت أنها وخلال الأعوام الممتدة من “2006” ولغاية “2009” ومن خلال برنامج قامت به مع عدد من المؤسسات المختصة، إستطاعت إخراج “120” فتاة من مختلف محافظات المملكة موقوفات إدارياً، لكن البرنامج توقف منذ عام “2009”.
وتوضح الخارطة التالية أعداد الفتيات التي تم إيقافهنّ إدارياً في جميع محافظات المملكة عن طريق الحاكم الإداري، حيث شكلت العاصمة عمّان ما نسبته (67.54%) من الفتيات التي تم إيقافهنّ، تليها اربد بنسبة (9.4%) بينما حلت الطفيلة في المرتبة الاخيرة في اعداد الموقوفات ادارياً.

وعند سؤال “العشا” عن الدور الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني للفتيات الموقوفات إدارياً، قالت: “تدخلنا في قضية فتاة أٌوقفت “15” عاماً، وحاولنا لمدة سنتين متواصلات إقناع العائلة أن تأخذ إبنتها وتم ذلك”، مشيرة إلى أنّ بعد خروج الفتيات يتم التواصل مع بعضهن في ظل وجود “أيدي شيطانية كثيرة تتلقفهن عند خروجهن.”
منى (27 عاماً) أوقفت إدارياً في “مركز إصلاح وتأهيل الجويدة” بقرار من محافظ العاصمة قبل نحو 4 سنوات بعد أن تركت منزلها جراء تعرضها للعنف من أهلها، خروجها من منزلها جعل الشكوك تدور حولها عن وجود علاقة مع شاب مما جعل الحاكم الإداري يوقفها إدارياً “بداعي الشرف”، تقول منى “هربت عند صاحبتي كنت بدي فترة أرتاح فيها وأفكر كيف ممكن أغير حياتي”.
وبعد مكوثها في مركز “الجويدة” نحو شهر وافق أهلها على استلامها فخرجت من السجن، وأُجبرت “منى” على الزواج من رجل يكبرها بنحو “35” عاماً حسب ما تقول: “كنت مستعدة أوافق على أي شيء حتى أطلع من السجن بعد المصايب إلي شفتها فيه”.
منى تعيش اليوم في “الزرقاء” ولديها طفلين، لكنها ترى أنّها لم تأخذ فرصة بالحياة مع الشخص المناسب لها بسبب حادثة سجنها، مضيفة أنّ “حياتي أقل من عادية ونفسيتي سيئة، شو هالزواجة الي فيها أصغر بنات عند زوجي من جيلي”.

حوامل موقوفات
يجرم القانون الأردني حسب “قانون العقوبات” النساء التي تجهض لأي عذر كان سواءً كان هذا الحمل بفعل الإغتصاب أو السِفاح أو أي سبب أخر، ورغم أنّ الأردن من ضمن الموقعين على إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المراة الدولية “سيداو” التي تطلب من الدول الموقعة عليها حسب الفقرة “89” من الإتفاقية “يرجى الإفادة عما تتخذه الدولة الطرف (في اتفاقية “سيداو”)من خطوات لتعديل تشريعاتها المتعلقة بالإجهاض، بحيث تُضمنها أسباباً أخرى لإباحة الإجهاض قانوناً إضافة إلى الأسباب المتمثلة في تعرض حياة الأم للخطر، وبخاصة في حالات تشوه الجنين وحالات الحمل الناتج عن سفاح المحارم والاغتصاب وعما يتخذ من خطوات لكفالة توافر خدمات الإجهاض المأمون والرعاية بعد الإجهاض للنساء ضحايا العنف الجنسي، وتقديم عدد تقديري لعمليات الإجهاض غير المأمون التي تجرى سنويا في الدولة الطرف.”
قانون العقوبات الأردني نص صراحة في المادة “321” على “كل امرأة أجهضت نفسها بما إستعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”. قانون العقوبات الذي أفرد خمس مواد (321-325) للإجهاض لم يذكر حالات إستثنائية لجواز الإجهاض قانونياً، رغم توقيع الأردن الإتفاقيات الدولية الموجبة بوجوب إيجاد تجاوزات، ورغم أن دائرة الأفتاء في الأردن أباحت بجواز الإجهاض في بعض الحالات.
وتبرز المشكلة في مصير الأطفال الذي حملت بهن أمهاتهم نتيجة الإعتداء عليهن جنسياً، حيث يتم نقل الاطفال الى دار رعاية تابعة لوزارة التنمية الإجتماعية، التي بدورها تحرم الأطفال من أمهاتهم وترسلهم إلى متبنين، وتقوم الدور بتسمية الأطفال وتمنع أن يسمى من طرف الأم، وفي حالة التبني تجبر الأم على توقيع أوراق تنازل عن الطفل للجهة المتبنية.
وقد بلغ عدد حالات النساء اللأتي عوقبن بجريمة الإجهاض وفقا لبيانات وزارة العدل الأردنية منذ العام “2009” حتى العام “2016” ما يقدر بـ “49” امرأة منهن “6” في العام “2016”.
دار أمينة انتهاء مشكلة أم بداية مشكلة جديدة؟
تعتزم وزارة التنمية الإجتماعية إنشاء دار لإيواء النساء المهددات بالخطر لتأمين حمايتهن تحت اسم “دار أمينة”، كبديل عن مراكز الإصلاح والتأهيل، وتقديم الرعاية للمقيمات في الدار إلى حين إنتفاء الخطورة عنهن، حيث يشكل التوقيف الإداري للنساء إنتهاكاً للإتفاقيات والمذكرات التي صادق عليها الأردن, ومنها “الإعــلان العـالمي لحقـوق الإنسان”.
ويأتي إنشاء “دار أمينة” بعد تدخل تشريعي في عام “2016” بخصوص الموقوفات إدارياً، حين صدر نظام دور النساء المعرضات للخطر، وبحسب مدير مديرية الإتصال في وزارة التنمية الاجتماعية “د.فواز الرطروط” إن معاناة الموقوفات إدارياً في مراكز الإصلاح والتأهيل ستنتهي قريباً، وسترى دار “أمينة” النور خلال الايام المقبلة.

وأوضح أنّ إيداع الفتيات في الدار يتطلب موافقة الفتاة أولاً ثم التنسيق مع وزارة الداخلية والتنمية الإجتماعية، وفق برامج تتعامل بها الوزارة مع الفتيات التي سيتم إداعهن في دور الإيواء، حيث سيكون هناك برنامج آني يلبي إحتياجاتهن في داخل المركز وبرنامج الرعاية اللأحقة.
في حين تهرب “الرطروط” أكثر من مرة في الإجابة على سؤال دور الوزارة في التواصل مع المفرج عنهن بعد الإيقاف، ورغم إعادة السؤال إلا أنه على ما يبدو لا يوجد طريقة أو مساعدة من قبل وزارة التنمية في حماية الفتيات أو تقديم أي مساعدة لهن لدمجهم مع المجتمع المحلي، وحماية حياتهن بعد الخروج من السجن.
وزارة التنمية التي نشرت على موقعها الخاص “ملخص حول الجرائم المرتكبة ضد النساء باسم الشرف في الأردن ” قد إستندت بالإفصاح عن جرائم القتل “بداعي الشرف” المرتكبة بحق الفتيات على تقارير التي نشرتها منظمة “هيومن راتس واتتش” والصحفية الاردنية المختصة بجرائم الشرف “رنا الحسيني”، وجاء في الملخص حسب تلك التقارير أن أعداد الفتيات التي تم قتلهن حسب المنظمة بين “12-14″ فتاة، بينما قالت الصحفية الحسيني أن الرقم تجاو”30” جريمة.
الإختصاصية الإجتماعية ومديرة خط الإرشاد في إتحاد المرأة الأردنية “عالية هيلان” ترى أن الفتاة لا تمتلك أداوت لإكمال حياتها بشكل جيد في حال قررت الخروج من المنزل جراء تعرضها للعنف، وأضافت “نسعى إلى إيجاد تلك الأدوات لحل مشاكل المعنفات جنسياً، من خلال التواصل مع جميع الأطراف المعنية، وتقديم كافة السبل لتلك الفتيات”.
وأكدت “هيلان” أن جرائم الشرف هي ضمن سلسة من العنف الأسري أو التفكك الأسري أو الفقر وعدم وجود رعاية من الأهل بالإضافة إلى الإهمال الذي تتعرض له الفتاة، وتضيف متسائلة “ألا يكفي ما تعرضت له الفتاة من عنف حتى يتم توقيفها إدارياً، ومن حق الفتاة أن تتجاوز ذلك العنف الذي وقع عليها” وأستغربت “هيلان” من إدعاء البعض أن الهدف من الإيقاف هو حماية الفتاة، متسائلة “ألا تكون الحماية إلا في السجن؟” مطالبة الدولة بإيجاد حلول لحماية الفتيات دون حبسهن.
وأظهرت الدراسة التي أعدها” إتحاد المرأة الأردنية” الذي يقدم الخدمات للسيدات المُعرضات للعنف والإعتداءات الجنسية، أنّ الكثير من النساء الموقوفات إدارياً بداعي ما يسمى “الشرف” تعرضن لعنف جسدي ولفظي داخل الأسرة، وأحياناً لسفاح قربى ما ينعكس سلباً على سلوك ونفسية هؤلاء النساء.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة شهد العنف الواقع على النساء من داخل الأسرة تزايداً لافتاً، ويظهر ذلك من خلال عدد حالات المعنفات التي تعامل معها “إتحاد المرأة الأردنية”، كما يظهر في الشكل البياني أدناه.

“إتحاد المرأة الأردنية” يدير دار ايواء للفتيات المعتدى عليهن والمعنفات، وقالت “هيلان” : “هناك قضايا بحجة الشرف وهي ليس لها علاقة بالشرف على الإطلاق، والكثير من الفتيات أوقفن عشر سنوات وأكثر، وهذا تحطيم لحياة الفتاة”.
ولا يقتصر عمل دار الإيواء على رعاية النساء المعنفات خلال فترة وجودهن في الدار، وإنما يتعدى الأمر ذلك إلى متابعتهن حتى لو غادرن البلاد، وتبين “هيلان” أنّ التعامل مع الفتاة في المأوى يكون بحرية كاملة ويتم مساعدتها بإكمال دراستها وعملها ويمكنها التنقل مع تأمين الحماية لها، وبالتالي لا يتحول المأوى إلى سجن يقيد حريتها.
كما تؤكد “هيلان” أن هذه الحرية مشروطة بالمحافظة على حياة الفتاة، فيتخذ برنامج خط الإرشاد عدد من التدابير التي تمنع الفتاة من الخروج والدخول إلى الدار بشكل غير مبرر، والهدف من إعطاء الفتيات الحرية مساعدتهن على العودة إلى حياتها الطبيعية عند خروجها من الدار، ويقدم الإتحاد عدد من الدورات التدربية وبرامج إعادة التأهيل والتمكين لتتمكن الفتيات من أن يصبحن مُنتجات، وبالتالي يسهل إعادة دمجهن في المجتمع، وهذا الفرق بين المأوى والسجن.
 مخاطر ما بعد الإفراج
ترى مديرة “مركز ميزان” للقانون “إيفا أبو حلاوة” أنّ الموقوفات إدارياً “معرضات للخطر” بعد خروجهن من مراكز الإصلاح والتأهيل، سواء تم الطلب منهن إحضار كفيل من الأقارب وهو أمر صعب كونهم الجهة التي تهدد حياتهن، أو لخطر أكبر هو الزواج من أيّ شخص مقابل الخروج من السجن.
وغلب على الحالات التي تعامل معها “ميزان” ورصدها وخرجت من السجن بضمانة الزوج الجديد، أنّ تلك الزيجات تكون بداية لمشاكل أكبر للنساء، ويكُنّ عرضة للإستغلال من قبل بعض الأزواج نتيجة ظروفهن، بحسب حديث “أبو حلاوة”.
ويرى المحافظ السابق “خلف المحاسنة” أن الكثير من الفتيات التي يتم الإفراج عنهن يكنّ عرضة للقتل  بشكل كبير من قبل إخوتها أو والدها أو أحد أهلها، وهنا تكمن مشكلة تقدير الحاكم الأداري للكفيل الذي قد كفلها فقط ليقتلها بعد أخذها، لذلك يلجأ احياناً الحاكم الأداري الى عدم إخلاء سبيل الأنثى حتى لو وجد الكفيل.
إختصاصية الطب النفسي “د. نسرين الدباس” ترى أنّ النساء الموقوفات في مراكز الاصلاح يخرجن عادة بمعاناة من أمراض نفسية بالذات بعد إنعدام ثقتهن بمن حولهن.
وتفسر ذلك أنّ الفترة التي أحتجزت فيها الفتاة سواء أشهر أو سنوات أبعدتها عن مجتمعها؛ فأكتسبت قناعات ومسلكيات جديدة بالذات بعد إبعادها عن عائلتها وعن دراستها أو عملها، فالفتاة بعد هذه الظروف ستصاب بالإكتئاب والقلق والضرر النفسي سيزيد إذا كانت المحتجزة ضحية ومعتدى عليها.
وقدّ تلجأ بعض النساء بعد خروجهن من مراكز الإصلاح والتأهيل إلى ممارسة سلوكيات غير إعتيادية إنطلاقاً من هاجس الإنتقام، فقد تنتقم من نفسها “بمحاولة الإنتحار أو تعاطي مواد مخدرة أو ممارسة سلوك خاطئ”، وهذا نوع من أنواع التكيف ولا يشترط أن يكون التكيف ايجابياً، وفقاً لما ذكرته الاختصاصية النفسية دباس.
وتضيف: “الفتاة التي وصِمّت إجتماعياً بما يسمى العار ومرت بظروف قاهرة وتعرضت لإعتداء وتباين في العلاقات الإجتماعية قبل وأثناء الإيقاف، سيجعلها تتكيف مع المحيط بعد الخروج من السجن بما يسمى بالتكيف السلبي”.
وبالرغم من المطالبات الحقوقية لمؤسسات المجتمع المدني لم نستطيع الحصول على إيجابة كافية وحلول بديلة لحل مشكلة الموقوفات إدارياً أو وجود خطة لدى أي جهة لحل مشكلتهم، أكتفت جميع المؤسسات بالقول أن الدولة هي المسؤولة عن حماية الفتيات وعليها إيجاد طريقة للحماية، أو إيجاد برنامج كبرنامج حماية الشهود لحل هذه الظاهرة.
تجربة واحدة كانت كفيلة بقلب حياة سارة ومنى والعديد من النساء التي تعرضن للإيقاف الإدراي، ولم يكنَ أخر الفتيات التي تحتجز حريتهن بداعي “حمايتهن” دون موجب قانوني، وفي ظل محاولات مؤسسات المجتمع المدني والعديد من الجهات المعنية في حل مشكلة حجز الحريات، تطرح انظمة وتعديلات قانونية قد تسهم في الحد من الآثار المترتبة على الإيقاف الإداري  بداعي الشرف.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *