عمّان، أحمد العتوم، يجمع أبو معاذ أشجار السنديان التي قطعها وأخفاها في غرفةِ تحت الأرض، ويبدأ تقسيمها بمنشار كهربائي على حجم المدفأة، حتى يتسنى له بيعها بسعرٍ أفضل .
عشرات الأطنان من حطب السنديان واللزاب أصبحت جاهزه للبيع. يقوم تاجر الحطب أبو معاذ بالتحرك ليلاً بمركبة مخصصة لحمل أوزانٍ ثقيلة؛ ليوصلها إلى المشتري ويقبض ثمنها ويعود إلى بيته .
أبو معاذ كمثله من اللذين يقطعون الأشجار في عدة مناطق في الأردن أبرزها جرش وعجلون اللتين تعتبران من أكثر مناطق المملكة شهرة بالغابات، وأكثرها تعرضا للتحطيب من قبل المواطنين .
تتعرض الغابات إلى عدة عوامل تحد من مساحاتها مثل الحرائق والرعي الجائر والتحطيب والاعتداءات السكنية، إضافة إلى عدم الاهتمام بالتحريج وزيادة زراعة الأشجار وخاصة في المناطق التي تتعرض لحرائق كبيرة تمتد لعدة أيام وتهلك آلاف الأشجار.
ويبيّن المقطع التالي حقائق تجارة الحطب, وخطورة إبادة ما تبقّى من المناطق الحرجية :
على الرغم من كون الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة تفيد أن هنالك تدنٍ في عدد الاعتداءات منذ العام 2012 حتى 2016 لتصل إلى نسبة تغيّر (-73%)، إلا أن الاعتداءات مستمرة والرقعة الحرجية في انكماش، ويعزى السبب إلى كون معظم الاعتداءات على هذه الغابات لا يتم ضبطها من قبل موظفي وزارة الزراعة؛ لضعف الرقابة من جهة، ولتواطؤ بعض الطوافين من جهة أخرى. لذا، لا تصل أرقام الضبوطات الحرجية بشكلٍ دقيق.
في ما يلي عرض توضيحي لأشجار تم الاعتداء عليها :
تراجع كبير في الغطاء الحرجي
انخفضت مساحات الغابات لمحافظات الشمال بنسبة 25% , في دراسة قامت بها جامعة العلوم والتكنولوجية كلية الزراعة بالتعاون مع (الوكالة الامريكية للمسوحات الجيلوجية) بعنوان “تغير استعمالات الاراضي والغطاء النباتي لمحافظات الشمال”, بتحليل صور اخذت لتلك المناطق من الاقمار الصناعية وشملت اربد وجرش وعجلون .
تحدث الاستاذ الدكتور محمد الربابعة عضو هيئة تدريس في كلية الزراعة بجامعة العلوم والتكنولوجيا ان الدراسه كانت على مدى خمسة عشر عاماُ, اخذت صور من الأقمار الصناعية من عام 2000 حتى عام 2015, لمناطق تسمى “wood land” والتي تشمل المناطق التي تحتوي على اشجار وشجيرات حرجية.
واضاف الربابعه انه خلال تحليل الصور تبين ان الزحف العمراني كان الأكثر وضوحاً بنسبة تصل الى 50%, وكله على حساب المساحات الحرجية بدقة وصلت الى 90%, يليها الغابات التي تراجعت نتيجة الإعتداءات خلال الخمسة عشر سنه الماضية الى نسبة 25% بنسبة دقة وصلت الى 65% ونسبة تغير 38%.
وهذه النسبة كبيرة اذا تم مقارنتها بالأرقام الصادرة من وزارة الزراعة التي تؤكد ان نسبة المساحات الحرجية في المملكة 09,%, وبما ان معظم تلك المناطق الحرجية تتركز في الشمال فإن النسبة الإجمالية انخفضت ايضاً بشكل كبير وواضح.
وفيما يلي مقارنه صور جوية لغابات برقش في محافظة عجلون ما بيت عام 2014 الى عام 2016
تجار الحطب عصابات منظمة
تختار “عصابات الحطب” أوقات التحطيب بعد منتصف الليل، بتنسيق جماعي مع تجار آخرين فيخرجون بشكل مجموعات وعلى مناطق متقابلة. بعضهم يعتلي رؤوس الجبال لمراقبة الموقع وبعضهم الآخر يرصد دوريات الزراعة والشرطة البيئية في مركبة تراقب المنفذ الوحيد للمنطقة، فعندما تصلهم المعلومات من مخبرين داخل الزراعة بتوجه الدوريات إلى منطقة معينة، يختارون منطقة آخرى للبدء في التحطيب .
ويظهر المقطع التالي التخطيط المنظّم لتجار الحطب، وطرق عملهم كجماعات:
منهم من يستخدم (ماتور حطب) كاتم للصوت بإضافة تعديل برميل معدني على العادم وهي قطعة معدنية عليه لإخفاء صوته إضافة إلى ( الطبر والقدوم والجازور ) وهي أدوات يدوية تستخدم حسب نوع الشجرة .
كمية الحطب التي يتم قطعها تعتمد على حجم المركبة التي ستنقلها؛ فأقل كمية تتجاوز الثلاثة أطنان خلال ساعة ومن قِبل عدة أشخاص، تنقل إلى أماكن معينة لبيعها وتقسيم ثمنها على الجميع.
الأشجار المعمرة وكبيرة الحجم هي الهدف الأول في عملية التحطيب؛ لأن قطعها سهل وحجمها يختصر الاعتداء على عشرات الأشجار الصغيرة .
تحركاتهم في الغابات مدروس، إما بتنسيق مع طواف المنطقة ويعتمد على المنطقة ذاتها وطبيعة مراقب الغابة؛ فالمبلغ الذي يتم التفاوض عليه مع الطواف يعتمد على كمية الحطب، فكلما زادت الكمية زاد الدفع له، مقابل عدم إبلاغه عنهم.
المقطع التالي يروي قصّة تجار الحطب وتعاملهم مع طوّافي الحراج:
القانون الجديد المغلّظ والقانون القديم
تنص المادة (33) من قانون الزراعة رقم 13 لسنة 2015 ” يعاقب كل من يقوم بقطع الأشجار والشجيرات الحرجية والنباتات البرية دون ترخيص بالحبس لمدة ستة أشهر وبغرامة مقدارها ثلاثة أضعاف القيمة المادية على كل شجرة يتم قطعها من الحراج الحكومي وبغرامة مقدارها ثلاثة أضعاف قيمتها المادية على كل شجرة من الحراج الخاص وفي كلتا الحالتين تصادر المواد والأدوات القاطعة التي يتم ضبطها” .
أما القانون القديم الصادر عام 2002 للمادة (34/أ/1) من قانون الزراعة المؤقت رقم (44) لسنة 2002 ينص على “أن عقوبة قطع الأشجار والشجيرات الحرجية أو النباتات البرية دون ترخيص هي “تحرير ضبط مخالفة وإرسالها إلى المحكمة المختصة، الحبس لمدة ثلاثة أشهر وبغرامة مقدارها مائة دينار عن كل شجرة يتم قطعها من الحراج الحكومي وبغرامة مقدارها خمسون دينارا عن كل شجرة من الحراج الخاص، وفي كلتا الحالتين تصادر المواد الحرجية والأدوات القاطعة التي يتم ضبطه” .
يظهر أن هناك تغليظ في العقوبات بحق المعتدين بالقطع على الأشجار الحرجية بشكل مضاعف، كما أن مدة الحبس زادت من ثلاثة إلى ستة أشهر، والغرامة من خمسين دينار إلى ثلاثة أضعاف القيمة المادية . والمميز في القانون الجديد حسب تصريح مدير مديرية الحراج المهندس بسام الفواعير أنه تم تخصيص قاضي ينظر في قضايا الحراج ويحكم في قانون الزراعة، أما في السابق كان القاضي عام ويحكم في قانون العقوبات المخفف وكانت مدة الحبس تستبدل بغرامة. وحسب رأيي ان هذا القانون حدّ بشكل كبير من نسبة الاعتداءات على الغابات .
لكن كم هي عدد القضايا التي تحوّل إلى المحكمة بالمقارنة مع مجمل الاعتداء ؟ على الرغم من تغليظ العقوبات بحق كل من اعتدى على الأشجار الحرجية بالقانون المعدل لعام 2015. لم يمنع ذلك أبو معاذ وغيره من تجّار الحطب من الاستمرار في تقطيع الأشجار، ولعل السبب كما يقول أبو معاذ أنه لم يتغير شيء لأنه يضمن عدم تحويله للقضاء، كما أن ضعف الرقابة وتواطؤ الطوافين حافز آخر في الاستمرار. ويضيف إنه خلال السبع سنوات من التحطيب لم يضبط إلا مرة واحدة وحُوّل للقضاء، لكن في مرّات عدّة ضبط أكثر من مرة من قِبل الطوافين وفي كل مرة كان يرضي الطواف في مبلغ معين مقابل عدم الإبلاغ عنه .
في العام الذي صدر فيه القانون الجديد، انخفض عدد الرخص الممنوحة لإزالة الأشجار الحرجية للأراضي المملوكة بشكل كبير، مقارنة بالسنوات التي تسبقها، لتصل إلى إزالة (3216) شجرة، مقارنة بالعام 2014 والتي أزيل فيها (56258) شجرة، من الرخص الممنوحة للأراضي المملوكة للناس. ولا يعزو الفاعوري الأمر للقانون الجديد، وإنما تعطى الرخص لغايات البناء الخاص او استصلاح الأراضي، أو لغايات الوقود البيتي، ولم يحدث أي تغيير في منح تلك الرخص في أي عامٍ مضى .
وفسّر الفواعير أن سبب تراجع اعداد الأشجار المزالة من الرخص الممنوحة للأراضي الحرجية؛ هو ضعف الموازنات والمنح المقدمه للوزارات, وذلك ان يتم ازالة الاشجار الحرجيه لغايات النفع العام كفتح الشوارع وبناء المدارس والجامعات والمباني الحكومية
يظهر في الرسم البياني التالي عدد الأشجار الحرجية المزالة برخص استثمار من الأراضي الحرجية، خلال الخمس سنوات الأخيرة :
يعد الأردن من الدول الفقيرة بموارده الزراعية وخاصة الحرجية حيث تبلغ نسبة مساحة الغابات حوالي 0.09%. وبحسب التقرير السنوي لوزارة الزراعة، من مجمل مساحة المملكة، إلا أن هذه الغابات أصبحت تتعرض إلى تعديات جائرة من خلال تقطيع الأشجار المعمرة والنادرة وإضرام الحرائق إلى أن أصبحت تفتك بهذه الثروة الوطنية وتلحق خسائر هائلة بالغطاء النباتي.
يوضح الشكل التالي نسبة المناطق الحرجية حسب محافظات المملكة، رغم أن محافظتي جرش وعجلون هما الأكثر كثافةً حرجيةً، إلا أن مساحات بعض المحافظات الحرجية أكبر ولكن دون كثافة واضحة كما في جرش وعجلون .
وفي كتيب صدر حديثا عن وزارة الزراعة بعنوان (الغابات في الأردن) تمت الإشارة إلى أن هناك قطع غير مشروع كما يفعل (أبو معاذ) وهذا يحدث بما يقارب ألف حالة قطع سنوياً للحصول على الخشب لبيعه، أما القطع المشروع فيتم أثناء فتح الطرق أو توسيعها أو لاستخدام الأرض لغايات أخرى وهذا يقضي على حوالي عشرين ألف شجرة سنوياً .
ويتفق عدد كبير من أهالي المناطق المجاورة للغابات، أن القسم الأكبر لتقطيع الغابات يكون سببه التجّار أو من ينوب عنهم ، أما الفقير للحصول على حطب للتدفئة فيقوم بجمع الفروع المتناثرة من الشجرة فقط .
تظهر أرقام وزارة الزراعة أن القضايا المسجلة (قطع)، والتي تم ضبطها في عام 2012 هي (643) قضية، على مستوى المملكة، وفي عام 2016 سجلت (230) قضية اعتداء بالقطع.
يشرح السبب مدير مديرية الحراج المهندس بسام الفواعير أن القانون المعدّل لعام 2015 بدأ تطبيقه في عام 2016 , لذلك تدنّت نسبة الاعتداءات على الأشجار الحرجية بشكل كبير لتصل الى -73%، كما يظهر في الخارطة التالية:
والغريب أن المحافظة التي سجلت أعلى نسبة زيادة تغير في الاعتداء على الأشجار الحرجية بواقع (150%) هي محافظة الكرك، رغم أن نسبة المناطق الحرجية فيها هي (11%) من مجموع المناطق الحرجية بالمملكة ، مقارنه مع كثافة الغابات في عجلون، لكن الكرك تفوّقت بذلك.
يعزو الفواعير أن الكرك تمتاز بتوفر أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية. ويقوم رعاة الماشية بقطع الأغصان لإطعام حيواناتهم، فأي قطع لغصن أو شجة حرجية يعد تعدياً ويحرر الضبط الحرجي بحقه .
“محافظة جرش سجلت أعلى عدد حالات اعتداء في المملكة في السنوات الخمس الأخيرة؛ لأن ثلث أراضيها حرجية وكان من الصعوبة السيطرة على كافة المناطق لوعورتها وصعوبة الوصول إليها”. هذا ما تحدث به مدير زراعة جرش المهندس محمد الشرمان، مضيفاً بأنه مع نهاية عام 2015 جرى العمل بقانون الزراعة المعدّل، والذي غُلظت بموجبه العقوبات على من يتعرضون للأحراش بالضرر .
ووفق الإحصائية السنوية الصادرة عن وزارة الزراعة فإن محافظة جرش سجلت أكبر عدد في قضايا الاعتداء على الأشجار الحرجية في المملكة بمجموع بلغ 261 قضية في عام 2011 ، ومن ثم ارتفع هذا العدد عام 2015 ليصل إلى 318 قضية ، أي بنسبة تغير 22%.
في حين انعدم الاعتداء على الاشجار في محافظة العقبة في عام 2016 , بعد أن تم ضبط 6 حالة في عام 2012 ، وتراجعت النسبة في محافظة معان لتبلغ -100%، بسبب ندرة الأشجار الحرجية وضآلتها في هاتين المحافظتين .
وبحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة، فإن عدد القضايا المسجلة في الاعتداء على الغابات في تناقص، خلال الخمس سنوات الأخيرة، كما يظهر في الرسم البياني التالي :
لم يتبقَّ سوى شجيرات صغيرة نمت على جذور الأشجار المقطوعة، مناطق أبيدت بالكامل، أخرى تعرّت من اللون الأخضر، ولعل السبب أن هناك تجار يقومون بالتحطيب ليلاً لجمع أكبر عدد ممكن من الأخشاب ولتتم إعادة بيعها للمواطنين، بحسب مصطفى حسن (42 عاماً)، من سكان منطقة كفرنجة بمحافظة عجلون، مضيفاً إن بعض مناطق محافظتي عجلون وجرش تمتاز ببرودة شديدة ولا ينفع فيها أي نوع من الوقود إلا الحطب، ولعل هذا يشجع أيضا على الاعتداء على الغابات .
الحرارة التي يولدها الحطب هي أفضل حرارة تناسب دفء الشتاء القارس، كما تقول فخرية علي (60 عاماً)، مكملة إن معظم أهالي تلك المناطق يشترون الحطب من تجار معروفين في البلدة، ممن تتوفر مادة الحطب عندهم على الدوام ولا يعنيهم مصدر هذا الحطب ولا كيف وصل إليهم، ولكن الذي يهمهم أن يوفروا الدفء لأطفالهم في فصل الشتاء، على حد تعبيرها .
سبب آخر يدفع الناس إلى التحطيب دون أن يتم ضبطهم، وهو “عدم تعاون موظفي الزراعة مع أصحاب الأراضي القريبة من الغابات كما لا يوجد خط ساخن يمكن التواصل معهم من خلاله”، كما يقول أحمد عبد الحليم (44 عاماً).
listen ويروي أحمد عبد الحليم (44 عاماً) يملك أرضاً محاذية للغابات في منطقة “الحروث” التابعة لمحافظة جرش “في إحدى الليالي تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، كان هناك عدد من الأشخاص الذين يقطعون الاشجار الحرجية بالقرب من مزرعتي. قمت بالاتصال أكثر من سبع عشرة مرة بمديرية زراعة جرش، وإبلاغ أحد الطوافين المسؤولين عن المنطقة، ولكن دون جدوى، ما اضطرني للاتصال بالشرطة البيئية وإبلاغهم عن موقع التحطيب. لم تصل الشرطة البيئية إلى المكان إلا بعد أربع ساعات من وقت التبليغ” .
بطء التنفيذ من الأجهزة المعنية يشجع المعتدين على استمرارهم في التحطيب، وفقاً له، مكملاً، من خلال مشاهداته، أن ما يتم ضبطه من مخالفات قليل بالنسبة لحجم الاعتداءات. “المعظم لا يتم ضبطهم لوعورة المنطقة وعدم تمكّن مركبات الزراعة من الوصول اليهم ومنهم من يلوذ بالفرار “.
وفي ما يلي مقطع توضيحي لأنواع الاعتداء على المناطق الحرجية :
الطوافون بين معاناة وتواطؤ
تتعرّض المناطق الحرجية إلى تعديات مستمرة، وخاصة من تجار الحطب. منهم عصابات وأرباب سوابق ولا يوجد حمايه لموظفين الحراج من اعتدائهم. في مرّات عدة تعرّض الطوافين للاعتداء ولإطلاق النار والادعاء على بعضهم بقضايا الشرف .
ويروي الطواف هيثم حمودة (38 عاماً) وهو مراقب حراج منطقة سوف في محافظة جرش، ما حصل معه في أحد الأيام، في منطقة حرجية واقعة بين منطقة سوف وساكب. يقول “سمعت صوت منشار حطب آلي في تلك المنطقة وفي ساعات الليل المتأخرة رأيت مجموعة من الأشخاص معهم مركبة لتحميل الحطب. وعندما شاهدوني قاموا بإطلاق العيارات النارية باتجاهي، إلى أن تمكنوا من الإمساك بي وضربوني وأُدخِلت إلى المستشفى لعدة أيام “.
لم يكن لدى حمودة الحماية اللازمة من سلاح أو رفقة أمنية تحميه، ومعظم الطوافين في مناطق اختصاصهم يراقبون مساحات كبيره ووعرة، تزيد عن عشرة آلاف دونم لكل طواف ولا يملكون مركبات لنقلهم ولسهولة وصولهم لكل المواقع، كما أن عدد الطوافين غير كاف لتغطية الغابات، وبعضهم يضطر لاستئجار مركبة على حسابه الخاص للوصول إلى منطقة معينة .
بيد أن بعض الطوافين نجدهم لا يشكون من شيء، من قبيل مركبات غير متوفرة أو تعرّض للضرب والاعتداء من تجار الحطب، بل إنهم على علاقة جيدة مع التجار وشركاء في صفقاتٍ عديدة .
التنسيق مع طواف المنطقة يعتمد على المنطقة ذاتها وطبيعة مراقب الغابة؛ فالمبلغ الذي يتم التفاوض عليه مع الطواف المتواطئ يعتمد على كمية الحطب، فكلما زادت زاد الدفع، مقابل عدم إبلاغه عنهم .
في بعض الأحيان يقوم الطواف بأخذ كمية الحطب التي تم ضبطها مقابل الصمت، ويتصرف الطواف في هذا الحطب لحسابه الشخصي .
أبو معاذ يروي قصة حدثت معه. يقول ” في إحدى المرات حوالي الساعة الثالثة فجراً، كنت أقطع الحطب في إحدى المناطق التابعة لمحافظة جرش، وإذ بطواف المنطقة أمامي. كنت على علاقة جيدة معه، وبعد نقاش، تفاوضنا على أن يأخذ الحطب ودون أن يحرر ضبط بحقي، وقام الطواف ببيع هذه الكمية بعد أن أجرى اتصالاً مع أحد الأشخاص. والغريب اننا قمنا بتحميل هذا الحطب بمركبة تابعة لوزارة الزراعة بعد أن طلب مني أن أقوم بتقطيع الحطب إلى أطوال مناسبة لهذه المركبة وبعدها أخذ الحطب تركني وشأني” .
ويظهر المقطع التالي, فساد طوافي الحراج بشهادة بعض تجار الحطب.
الطوافون المعينون بشكل مؤقت، خطرهم أكبر، المعظم منهم حسب الآراء، يتفقون مع التاجر الذي يريد أن يقطع الأشجار، على حصة من المال، وحجّتهم أن تعيينهم مؤقت وأكبر عقوبة يمكن أن يتلقوها هي الطرد من الوظيفة، وبما أنه على كلتا الجهتين سينهى العقد، فيصار لمحاولة التكسب خلال هذه المدة، من دون أن يولوا قيمة الشجرة أهمية تذكر.
ويعترف تاجر حطب آخر يدعى أبو أحمد، من محافظة عجلون، (35 عاماً) ، أن أكثر من عشرين سنة هي مدة التحطيب والبيع التي مرّ بها شخصياً، منذ كان طفلاً يرافق والده.
عندما كبر ووجد نفسه شاباً بلا وظيفة ولا شهادة لم يجد سوى التحطيب وسيلة لجلب الرزق، وعجلون مدينة فيها غابات كبيرة، كما يقول أبو أحمد “عندما أنظر إلى الشجرة تتحول أمامي كأنها دنانير تتمايل مع النسيم” .
ويضيف إن علاقاتي كبيرة وفي معظم مناطق عجلون “لي نفوذ ومعارف وطرق إرضاء. لذا، أنا مطمئن ومرتاح في هذه المهنة التي تدر لي دخلاً جيداً، فكل شخص له ثمن عشرون ثلاثون خمسون ديناراً وتنتهي القضية. لذلك، وخلال الخمسة عشر عاماً من التحطيب لم أضبط ولا مرة أو أحوّل للقضاء. وفي حالات قليلة كان مراقبي الحراج يقومون بضبطي فأرضيهم بالمال” .
يُظهر المقطع التالي أدوات مستخدمة لقطع الأشجار:
طرق حديثة لحماية الغابات من وطأة المعتدين
تستخدم وزارة الزراعة وهي المعنية في امتلاك ومراقبة الأراضي الحرجية، عدّة أساليب للحفاظ على الأشجار الحرجية، بزيادة عدد الطوافين وإعادة تأهيلهم وتدريبهم وبناء أبراج المراقبة على قمم الجبال لمراقبة الاعتداءات، إضافة إلى شبكة الاتصال اللاسلكي المباشر بين الطوافين وعمليات الحراج .
حدّثت الإدارة الملكية لحماية البيئة، وهي جهاز رقابي آخر على الغابات، أساليب جديدة في مراقبة المناطق الحرجية، باستخدام مركبات (ATV)، وهي مركبات تسمى ب “الوشق” وتمتاز بتجهيزها بكافة المستلزمات للوصول إلى جميع المناطق الوعرة وهي صغيرة الحجم وفيها تجهيزات أيضا للحرائق وتحديد الأماكن عن طريق GPS” ، وعند وصول أي معلومة عن اعتداء أو حريق يتم إطلاقها وتتبع مسارها عبر إحداثيات دقيقة .
وقال نائب مدير الإدارة الملكية لحماية البيئة العقيد عماد الزعبي إن الإدارة أطلقت معدات جديدة لمراقبة الغابات وهي طائرات مسيّرة بدون طيار، تسمى بطائرات ( درونز )، وهي طائرات يتم التحكم بها عن بعد، مجهزة بكاميرات عالية الجودة تستطيع التقاط الصور والفيديو لمسافات بعيده، وفي الليل أيضاً والظروف الجوية القاسية .
واضاف الزعبي يمكن التحكم بهذه الطائرة من مسافات بعيدة، بقطر خمسة كيلو متر، وفي ساعات الليل مزودة بأجهزة حرارية، يمكن أن تحدد أماكن تواجد الكائنات الحية عن طريق رصد حرارتهم وتحديد موقعهم بشكل دقيق. والهدف الأساسي من استخدام هذه الطائرات هو الحفاظ على ما تبقى من الرقعة الخضراء من الغابات .
وتستمر المشكلة
ورغم أن العقوبة لقاطع الأشجار تشمل إضافة إلى الحبس لمدة ستة أشهر، غرامة مالية تصل إلى ثلاثة أضعاف القيمة ، إلا أن (أبو معاذ) لا يقتنع بهذه الحلول. يقول “حتى لو تم سجني لن أتوقف عن التحطيب. لا يوجد مصدر دخل لعائلتي غيره. وهي مهنة تدر لي المال الوفير “.
“إن العقوبة غير كافية؛ فالقانون يحقق مصلحة لمن يقطع الشجر، والغرامة المادية مهما كانت قيمتها مرتفعة فهي تعد قليلة قياساً بما يحققه التجار من أرباح في بيع الحطب” كما قال صادق المومني (30 عاماً) وهو أحد المواطنين القاطنين في منطقة عبين المحاذية لغابات العارضة في محافظة عجلون .
أما الطواف حمودة فيقول “طالما أن هناك تجار حطب متنفّذين , فالتقطيع سيستمر مهما كبرت قيمة المخالفة المادية أو المعنوية” .