- مادة مقدمة للدكتورة: لينا عجيلات من أنمار سعيفان، زهراء القطيطات
عند الحديث عن البيئة وأساليب مكافحة الاحترار العالمي، كثيرًا ما يكون الموضوع متمحورًا حول المصانع ودخان السيارات والغاز والنفط وغيرها من مسببات التلوث الكبرى؛ وهي قطاعات يستدعي التغيير والتحسين فيها عملًا ممنهجًا، وخططًا واضحة، وسياسات حكومية ورسمية جادة لتسييرها والعمل على نقلها لمرحلة خضراء صديقة للبيئة.
لكن ماذا عن مساحة الممكن؟ وأسلوب حياة الناس وطريقة عيشهم وتخلصهم من النفايات، كيف يمكن لهذا كله أن يكون أقل ضررًا تجاه الهواء والتربة من حولنا؟
كيف يمكن لسلوك البشر تجاه النفايات وقوانينهم المحلية المباشرة أن تجدي نفعاً أمام كم النفايات الهائل الذي يتزايد باستمرار مع تزايد أعداد البشر على كوكبنا؟
حين نتطرق للحديث عن النفايات فلابد أن نوضح ما هي أولاً، الأمم المتحدة تٌعرف النفايات في اتفاقياتها باعتبارها ” المواد أو المنتجات التي تنشأ من العمليات العادية للحياة البشرية والتي يتم التخلص منها أو هناك نية للتخلص منها”. يهدف هذا التعريف إلى شمل جميع أنواع النفايات ، بدءًا من النفايات الصلبة المنزلية العادية إلى النفايات الخطرة والنفايات الطبية والنفايات الصناعية الأخرى التي يمكن أن تشكل خطرًا على البشر والبيئة إذا لم يتم التخلص منها بشكل آمن وفعال.
وتُصنف النفايات حسب منظمة البيئة العالمية(UNEP – United Nations Environment Programme) إلى عدة فئات، منها:
1- النفايات الصلبة: تشمل النفايات المنزلية والتجارية والصناعية، مثل الأثاث المهمل، والمواد البلاستيكية، والورق، والزجاج، والمعادن.
2- النفايات السائلة: تشمل المياه الملوثة من المصانع أوالمنشآت الصناعية أومحطات معالجة الصرف الصحي.
3- النفايات الخطرة: تشمل المواد التي تحتوي على مكونات سامة أو قابلة للتآكل أو الاحتراق أو الانفجار، مثل المواد الكيميائية الخطرة والأدوية المنتهية الصلاحية والبطاريات المستخدمة.
4- النفايات الطبية: تشمل النفايات الناتجة عن المنشآت الصحية والمستشفيات، مثل الإبر الملوثة والأدوات الطبية المستخدمة.
5- النفايات الإلكترونية: تشمل المواد الإلكترونية المهملة مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتلفزيونات.
ونحن في حديثنا هنا، نتطرق للنفايات الناتجة عن الاستعمال البشري بوجه الخصوص، دون الغوص في النفايات الصناعية الناتجة عن عمليات الإنتاج والتصنيع والتي تعتبر أكبر ضرراً وتأثيراً على البيئة.
بالنظر للأرقام العالمية، فإن التقرير الصادر عن المجلس الأردني للابنية الخضراء ضمن دليل ادارة النفايات في الأردن يشير إلى أن النفايات الصادرة عن نشاطات الإنسان اليومية مثل البلاستيك والورق والكرتون والزجاج ونفايات الحدائق وغيرها تشكل نصف كمية النفايات الصلبة في الأردن فيما يكون النصف الآخر للنفايات البيولوجية الطبية. كما يستهلك السكان محلياً حسب توزعهم جغرافياً ما نسبته 0.87كغم/للفرد باليوم في المناطق الريفية و 0.99كغم/للفرد في المناطق الحضرية وفقاً لما ورد في دليل إدارة النفايات في الأردن- الصادر عن المجلس الأردني للأبنية الخضراء.
أمام هذه الأطنان من النفايات، يواجه الأردن كغيره من دول العالم المختلفة تحدياً كبيراً في مجال إدارة النفايات ومكافحة التغير المناخي. إذ يعتبر أن التلوث الناجم عن النفايات والتأثيرات المتزايدة لتغير المناخ تحديان هامان يهددان البيئة والصحة العامة في البلاد. وعند الحديث عن إدارة النفايات فلابد من الإشارة إلى أن الأردن يواجه زيادة سكانية سريعة يصاحبها حركة نشاط اقتصادي وهو ما يساهم بدوره في زيادة كمية النفايات التي ينتجها القطاع الصناعي والمجتمعات البشرية داخل الدولة، حيث تُعد هذه النفايات واحدة من أبرز مصادر التلوث البيئي.
في زمننا الحالي، لا يمكن القول إن الوضع مثاليُ تماماُ. فنسبة كبيرة من النفايات يتم تخزينها في مواقع إنشائية بدائية ومكبات نفايات غير منتظمة، ما يشكل تهديدا للبيئة والصحة العامة إثر تسرب المواد الضارة الناتجة عن تحلل هذه النفايات إلى المياه والتربة .لكن هذا لا ينفي وجود محاولات جادة من الحكومة الأردنية لتحسين ملف إدارة النفايات والسيطرة عليها في البلاد، حيث تم إنشاء مشاريع لمعالجة النفايات المستدامة وإعادة التدوير، فمثلاً مشروع فرز النفايات الورقية في مناطق الجبيهة وصويلح وتلاع العلي والذي أطلقته جمعية البيئة الاردنية و دائرة الدراسات والتوعية البيئية في أمانة عمان الكبرى سعياً لرفع الوعي والاهتمام الشعبي في مجال إعادة التدوير، حيث كان المشروع يهدف لتوفير الوقت في فرز النفايات وتقليص حجمها الكلي الناتج من المبنى والساحات المحيطة، وتوفير التكاليف المرتفعة الناتجة من نقلها، على أن يستكمل المشروع في مناطق القويسمة وزهران ورأس العين، حيث تساهم مثل هذه المشاريع من فرز وإعادة للتدوير وتوعية للمواطنين في الحد من كمية النفايات الموردة إلى المكبات.
وفي الحديث عن المكبات فيمكننا القول إن مكب “الغباوي” يٌعتبر نموذجاً يحتذى به بأشكال المكبات التي لابد أن تتواجد في بلداننا، فالمكب الممتد على مساحة 2 كيلومتر مربع على بعد 40 كم تقريبا من العاصمة عمان يعمل على تحويل النفايات إلى مصدر دائم للطاقة، حيث يستقبل المكب أكثر من 4200 طن من النفايات يومياً وبعد استقبال النفايات، يتم ضغطها، لتخفيف الكثافة النوعية لها لتصل تقريبا إلى 17 مترا فوق سطح الأرض، ليُصار بعدها لاستخراج غاز الميثان منها، ويتم حفر الآبار لعدم تسرب الغازات فيها ثم بعد تجمعها تمر إلى المولدات لإنتاج الكهرباء.
وعلى أن المكب الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وهوو معني بإدارة النفايات الصلبة، وطمرها بالطريقة السليمة و الصحيحة و الآمنة بيئيا إلا أنه بالطبع يواجه مشكلة تزايد النفايات الصلبة بشكل مستمر مع تقدم الزمن.
أما من الناحية التشريعية والقانونية فقد تم سن قانون عام 2012 يفرض غرامات تبلغ 20 ديناراً لمخالفة رمي النفايات، ضمن حملة أطلقتها أمانة عمان الكبرى. ويٌشار إلى أن ظاهرة الرمي العشوائي للنفايات منتشرة في البلاد حيث يشيع رمي الأكياس البلاستيكية وأعقاب السجائر والمحارم وأغلفة الطعام والإطارات القديمة على جوانب الطرق. ويعتبر الانخفاضاً الملموساً في عدد الانتهاكات بنسبة 13% خلال عام واحد فقط (2014-2015) دليلاً على الحاجة الملحة لسن القوانين الناظمة للتعامل مع النفايات وتصريفها، إضافة لضرورة العمل على تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع.
بالنظر إلى الجهود الشعبية، فإن كثيراً من الناشطين والمهتمين بحقوق البيئة يسعون لنشر الوعي البيئي عامة وملف إدارة النفايات خاصة، حرصاُ منهم للعيش الحياة بنظام شبه خالي من المخلفات المؤذية. “نور” مثلاً فتاة أردنية تملك مدونة بعنوان “داري دارك” على تطبيق التواصل الاجتماعي “إنستاغرام” وتدون فيها أسلوب معيشتها التي تحاول فيها قدر الإمكان أن تكون خالية من النفايات أو البلاستيك وجميع المواد الضارة، وترى أنه لا يمكننا الوصول إلى نمط حياة “صفر نفايات” اليوم، لكننا نحاول بالمتاح. تدعو نور إلى المضي قدمًا في هذه الأساليب ومحاولة الإصلاح على الصعيد الشخصي المُنطلق من ذواتنا.
هو أسلوب معيشة وتصرفات قد تبدو بسيطة، لكنها تعكس اهتمامًا ووعيًا تجاه ما يمكن التأثير به من حولنا؛ اصطحاب حقيبة من القماش متعددة الاستعمالات مثلًا عند التسوق هو ما يمنعك من أخذ حقائب البلاستيك التي تستخدمها المحال التجارية في العادة. أضف إلى ذلك الاعتماد على حافظات الطعام الزجاجية المنزلية عند شراء الطعام من المطاعم، والحفاظ على الطعام والحرص على عدم هدره والإسراف به كما تفعل نور.
هنا تأتي فكرة “الكومبوست” وتعتبر من أسهل الطرق للتعامل مع مخلفات الطعام لتحويلها لسماد طبيعي مفيد للتربة؛ حيث يتم دفن المخلفات كالقشور والبذور وبقايا الطعام المطبوخ تحت الأرض فتتخمر لينتج عنها سمادٌ غير مضر للبيئة؛ كالأسمدة الكيميائية.
لا يدرك الناس مدى مسؤوليتهم وتأثيرهم الفعلي، رغم أن أصغر التصرفات قد تكون مؤثرة وفارقة. تسمي نور فلسفتها “الاستدامة غير المثالية” إذ لا يمكن الوصول للكمال في عملية التخلص من النفايات لكنه يبقى طموحًا للجميع في نهاية المطاف.
نستعرض معكم في ختام هذا العمل، تجربة نجلاء القريبة من نور ولكن مع ايمان من نجلاء هنا بالقدرة على الوصول إلى حياة خالية من النفايات:
يمكننا القول ختماماً أننا في الأردن وبالرغم من كل التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية التي نواجهها بشكل عام وفي مجال إدارة النفايات ومكافحة التغير المناخي حصراً ، لكننا لا نعدم الأمل من المستقبل.
تعزيز الحكومة للسياسات والتشريعات البيئية والاستثمار في تقنيات إدارة النفايات المستدامة والطاقة المتجددة، إضافة لتعزيز التوعية وتشجيع المشاركة المجتمعية .. كلها تساهم في تحقيق تغيير إيجابي ومستدام لمستقبل الأردن.