إيثار العظم و دعاء نصّار،
عمان- تقف أم علاء المومني في حديقة منزلها وهي تشير إلى منازل جيرانها، ” كل هاي البيوت فيها حفر امتصاصية ، في الشتا كلها بتفيض عالشوارع”.
توضح أم علاء، وهي من سكان بلدية الجنيد في محافظة عجلون، أن مياه الصرف الصحي تختلط في فصل الشتاء مع مياه الأمطار، بسبب فيضان الحفر الامتصاصية خلال هذا الفصل، ما يؤدي إلى تغير في لون المياه التي تتجمع في المناطق المنخفضة من القرية قبل أن تتسرب إلى باطن الأدرن.
لا تقتصر المعاناة بسبب غياب خدمات الصرف الصحي على الحي الذي تسكنه أم علاء ، فصباح سمحة التي تعيش في حي آخر تعاني من تسرب مياه الصرف الصحي القادمة من منزل جيرانها إلى الشارع، الأمر الذي يتسبب بانتشار الروائح الكريهة ويلوث المكان، حسب ما أوضحت.
طبيعة جيولوجية
يتحدث سكان البلدية عن تجويف طبيعي صخري منطقة البيادر يعرف باسم “البلاّعة”، وهو عبارة عن فتحة تقع في الغلاف الصخري لمنطقة منخفضة تتجمع فيها مياه الأمطار خلال فصل الشتاء، حيث تندفع من خلالها إلى باطن الأرض.
يوضح الجيولوجي د.ثابت المومني أن منطقة البلاّعة والتي تعرف كذلك باسم “البيادر”، َتشهد ارتفاعاً في مستويات المياه بما يزيد عن متر ونصف المتر عند هطول الأمطار في فصل الشتاء.
يقول المومني إن منطقة عجلون تمتاز بوجود الصخور الكارستية، ذات النفاذية العالية، والتي تسمح بتسرب المياه إلى باطن الأرض.
وتعتبر الصخور الكرستية من الصخور القابلة للذوبان عند تعرضها للمياه وتشكل ثقوباً فيها، وهي قد تؤدي إلى تلوث المياه الجوفية.
وأشار المومني أن انتشار الحفر الامتصاصية في قرى البلدية والتي يقوم الأهالي بإنشائها بشكل عشوائي تبعاً لحاجتهم، تهدد سلامية المياه الجوفية، حيث تتسرب مياه الصرف الصحي إلى باطن الأرض، لتتهرب عبر ثقوب الصخور، وصولاً إلى الينابيع التي تغذي المنطقة.
نتائج مفاجئة
يشكل نبع عبلين مصدراً للمياه عند بعض سكان الجنيد، حيث يضطر البعض لساتخدام مياه النبع للشرب بسبب شح المياه في المنطقة.
يوضح أحمد محمد الذي يعمل سائق صهريج مياه أنه يقوم بنقل المياه من نبع عبلين إلى المناطق المجاورة عدة مرات يومياً، حيث تستخدم لأغراض عديدة.
يقل أحمد إن مياه النبع ليست سيئة، وهي صالحة للشرب، حيث يقوم السكان القاطنين بالقرب من النبع باستخدامها للغاية ذاتها.
يكشف الفحص المخبري الجرثومي الذي أجري على عينة من مياه النبع، جمعت وفق الأصول العلمية، عن ارتفاع نسبة بكتيريا الإشريشيا كولاي (الإشيريكية القولونية) في المياه، حيث وصل عدد إلى 261 لكل مائة مل من المياه، باستخدام طريقة العدد الأكثر احتمالاً، حسب ما أظهر تقرير مركز المياه والطاقة والبيئة التابع للجامعة الأردنية، وهي الجهة التي أجرت الفحص.
في حين بلغ عدد العصيات الكلية 816 كل مائة مل من المياه، باستخدام طريقة العدد الأكثر احتمالاً، حسب التقرير ذاته.
وبالرغم من أنّ معظم أنواع بكتيريا الإشيريشيا كولاي، تعد غير مسببة للمرض، إلا أن وجودها في المياه يشير إلى تلوثها.
وتسبب بعض سلالات الإشيريشيا كولاي أعراضاً معوية كالإسهالات، في حين قد تسبب سلالة O157:H7 مشكلات خطيرة في الجهاز البولي.
مخالفة المواصفات
تعتبر الإشيريشيا كولاي (الإشريكية القولونية) والعصيات الكلية من المؤشرات على تلوث المياه بالبراز، فهي تتواجد في أمعاء الإنسان وأمعاء الحيوانات.
هذا ما تؤكده الباحث د. نيفين العلمي من مركزالمياه والطاقة والبيئة في الجامعة الأردنية، حيث أوضحت أن وجود الاشريشا كولاي والعصيات الكلية بهذه المستويات، يؤكد تلوث المياه بالبراز من البشر أو الحيوانات.
تشير المواصفات القياسية الأردنية (المواصفة 286/2008) لمياه الشرب والمتعلقة بالمحتوى الجرثومي إلى وجوب أن يكون عدد عصيات القولون الكلية Coliform Bacteria )عند استخدام طريقة الترشيح أو أي طريقة معتمدة عالمياً(، أقل من ١,١ عند استخدام طريقة العدد الأكثر احتمالاً.
كما تشير المواصفة ذاتها إلى وجوب أن يكون عدد عصيات القولون المقاومة للحرارة (الإيشيريشيا كولاي)، عند استخدام طريقة الترشيح أو أي طريقة معتمدة عالمياً، أقل من ١,١ عند استخدام طريقة العدد الأكثر احتمالاً.
يوضح رئيس قسم الرصد والتقييم الحيوي في وزارة البيئة د. جبر درادكة أن هذا النوع من البكتيريا، يستخدم لقياس لسلامة المياه، حيث تُجرى فحوصات دورية على عينات من المياه تؤخذ من الينابيع والآبار الجوفية.
ويؤكد دراردكة أن مستوى بكتيريا الإشريشيا كولاي في عينات مياه الينابيع التي تخضع للفحص الجرثومي في جميع مناطق المملكة، لا تتجاوز واحد في المائة، حسب ما تشير تقارير وزارة البيئة التي تستند إلى بيانات وزارة المياه.
مشروع مؤجل
تنتشر الحفر الامتصاصية في بلدية الجنيد التي تضم ثلاث قرى وهي عبين، صخرة وعبيلين، حيث يقوم السكان بإنشاء الحفر الامتصاصية كل حسب قدرته المادية، حسب ما أوضح نائل طيفور وهو أحد سكان المنطقة.
يتساءل نائل عن سبب تأخر مشروع إنشاء شبكة الصرف الصحي في البلدية، على الرغم من أنها أنشأت في قرى مجاورة أصغر من القرى التي تضمها البلدية مثل قرية عين جنا.
أوضح عضو البلدية السابق حسين سعيد أن تنفيذ مشروع إنشاء شبكة الصرف الصحي يؤجل منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث أعلن وقتها أنّه سيكلف 18 مليون دينار أردني، إلا أن المشروع لم ينفذ بدعوى ارتفاع الكلفة الإجمالية له بسبب الزيادة السكانية.
يقول حسين ” لا يوجد سبب واضح لاستمرار تأجيل تنفيذ المشروع، خصوصاً وان مشاريع مشابهة نفذت في قرى محيطة أصغر حجماً من البلدية، في حين لا زال سكان الجنيد ينتظرون تنفيذ المشروع.”
حبر على ورق
وعلى الرغم من أن استكمال دراسة مشروع الصرف الصحي لمنطقة عبين وعبلين، دون الإشارة إلى القرية الثالثة في البلدية، حسب ما صرح امين عام سلطة المياه توفيق الحباشنة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي (2016).
إلا أن قانون الموازنة العامة للعام الحالي (2017) يخلو من أية مخصصات لمشروع لشبكة الصرف الصحي لبلدية الجنيد، في حين تم تخصيص موازنة لمشاريع مشابهة في مناطق أخرى في البلاد.
لا يبدو أن هذه الدراسة هي الأولى التي تجرى حول المشروع، إذ أوكلت وزارة المياه والري، ممثلة بسلطة المياه، في أيار من عام 2010 تنفيذ الخدمات الاستشارية للتصميم المبدئي ودراسة الجدوى لمشروع الصرف الصحي لكل من مناطق بليلا وكفر خل وراس منيف وعبين وعبلين وصخرة، حتى يتم الاستغناء عن الحفر الامتصاصية في تلك المناطق.
وأوضحت وزارة المياه والري خلال حلقة تشاورية نظمتها في العام التالي (6/2011) أن المشروع سيتضمن ربط محطة وادي حسان في محافظة إربد، مع إعادة تأهيل المحطة القائمة حالياً لزيادة سعتها من 1600 م3/ يومياً، إلى 11600 م3 يومياً.
لم توضح وزارة المياه والري أسباب تأخر تنفيذ مشروع الصرف الصحي في الجنيد، حيث قال الناطق الإعلامي عدنان الزعبي في الوزارة إنه يحتاج الى مراجعة البيانات الصادرة حول الموضوع، قبل تقديم الإجابة عن أسئلة تتعلق بذلك الشأن.
ولا يبدو أن الوزارة المياه جادة في تقديم الإيضاحات المطلوبة ، إذ لم يتم تحصيل أية معلوومات حول ذلك حتى وقت كتابة هذا النص، على الرغم من متابعة الأمر معها.