عثمان مشاورة
تُعتبر الفنون التشكيلية حالة متقدمة من التعبير عن الهوية والمجتمع في قالب من البهجة والمتعة الحسية كما يقول أفلاطون، وكثيرا ما خلدت الشعوب فنانيها التشكيلين، ورسمت صورهم على العملة والطوابع والأيقونات، وأقامت لهم النصب والتذكارات.
ولطالما كانت اللوحات المرسومة، والأعمال المنحوتة، رموزا من الرموز الحضارية والفكرية الخالدة للأمم، وليس متحف اللوفر في باريس، والطوابير الطويلة من القادمين إليه من كل أصقاع الأرض، إلا دليلا واضحا على رفعة الفنون البصرية، وأهميتها في سياق التعبير عن ذات الشعوب وكينونتها.
الفن التشكيلي الأردني وعبر العقدين الماضيين، تطور كما ونوعا، إذ خرّجت الكليتان الحكوميتان في جامعتي اليرموك والأردنية، المئات من الفنانين في حقلي الرسم والتصوير، مما جعل الحاجة مُلحة أكثر لزيادة الرّعاية والدعم الحكومي لهذا القطاع، نظرا للدور الريادي المنوط به في بث روح الجمال والقيم الإيجابية بين فئات المجتمع.
وزارة الثقافة وحسب قانون رعاية الثقافة الأردني، تتولى مسؤوليات العناية والإهتمام بالفن والفنانين، معنويا وماديا، لكن الكثير من الفنانيين التشكيليين الأردنيين، (الرساميين والناحتين) تململوا وعبروا عن سخطهم وغضبهم، من قلة وندرة الدعم والرعاية المقدمة إليهم من وزارة الثقافة، والأهم شح الدعم المعنوي والتقدير.
التفرغ الإبداعي، أول مشروع ثقافي فني، حمل شعاعا من الأمل، سرعان ما انطفأ بريقه
“جانا الفرج في العام 2007″، يقول الفنان التشكيلي تيسير المصطفى، ويضيف، تحت ضغط ومطالب المُثقفين والفنانين، خرجت وزارة الثقافة بمشروع جيد جدا، شكّل نقطة تحول في مسار دعم المبدعين في كل المجالات، المسرح والأدب والفنون البصرية والموسيقية.
هذا المشروع عرف بمشروع “التفرغ الإبداعي”، إذ إقتضت حيثياته، وفقا لوزارة الثقافة، أن يتم تفريغ الفنان لمدة سنة كاملة، سواء كان موظفا حكوميا أو في القطاع الخاص لقاء تقديمه مشروعا إبداعيا في مجال إبداعه، وهنا نتحدث عن مجموعة لوحات، أو أعمال فنية، ليستأهل خلالها المبدع مبلغ 15 ألف دينار، تُعطى على دفعات خلال سنة التفرغ.
هذا المشروع الذي أقر في عهد الوزير السابق، د. عادل الطويسي في العام 2007 وبعد خمس دورات فقط، سرعان ما تم تجميده في العام 2013 إبان وزارة لانا مامكغ.
أستاذ الفنون التشكيلية في جامعة الزرقاء، الفنان التشكيلي حسني أبو كريم، يقول إن هذا المشروع ومنذ انطلاقه، تشوبه الشوائب وتعكره المعكرات، إذ طفى سؤال المعايير إلى السطح، من وكيف ولماذا استحق الدعم؟
أبو كريم يقول، المشكلة دائما ما تكمن في اللجان، أسس اختيارها، والطريقة التي تدير بها هذه اللجان المشاريع، لذلك يحدث ما يحدث من خلل، لأن الأساس غير صحيح.
الفنانون التّشكيليون، وفي إعتصامهم الذي نفذوه أمام وزارة الثقافة إبان تجميد المشروع، قالوا إن كلفه ليست بالباهضة، وهي لا تعادل كلفة مهرجان واحد من المهرجانات التي تقيمها الوزارة في مناسبةٍ ما.
الناقد الفني، وأستاذ علم الجمال في كلية الفنون والتصميم/ الجامعة الأردنية، د. مازن عصفور، ذهب إلى ما ذهب إليه أبو كرّيم، إذ قال إن النظام عرقلته عراقيل عديدة فيما يتعلق باللجان المشرفة على اختيار الفنانين، لذلك أخذ منحى آخر غير المنحى المطلوب منه.
في العام 2017، تم العودة إلى المشروع من جديد، لكن بعد جملة من التعديلات طالت شروط وأسس ومدد التفرغ. ولم تمضي سوى سنة واحدة على تفعيل المشروع حتى توقف من جديد، وفي تعليقه على الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، يُبين مسؤول ملف التفرغ الإبداعي في وزارة الثقافة، عماد مدانات، “إن الوزارة لم تلغ المشروع، لكنها قامت بتجميده لقلة المخصصات المالية، إذ إن ميزانية الوزارة الشحيحة لا تسمح به”.
منذ انطلاقه، وحتى تجميده، ومن ثم إعادته، لم يتحصل على التفرغ الإبداعي سوى خمسة فنانين، وهم كما يوضحهم الجدول التالي:
أسماء الفنانين الحاصلين على التفرغ الإبداعي منذ 2007-2017
السنة | الفنان | اسم المشروع | المبلغ | مدة التفرغ |
2008 | عصام طنطاوي | السلط: رؤية تشكيلية | 15000 | سنة |
2009 | لم يحصل أحد | — | — | |
2010 | غسان أبو لبن | الأردن، أرض وحضارة | 15000 | سنة |
2011 | عمر الشهوان | إبداعات حديثة | 15000 | سنة |
2012 | محمد موسى حماد | المقاهي والناس | 15000 | سنة |
2013-2017 | تم تجميد المشروع وتعديل التعليمات | —- | — | — |
2017 | غسان مفاضلة | الإنسان والمكان | 7500 | 6 أشهر |
2017 | كمال أبو حلاوة | انطباعات مكان وأثر | 3500 | 3 أشهر |
الشكل التالي، يُبين قلة مشاريع التفرغ في حقل الفنون التشكيلية، وكذلك يبين الفجوات الحاصلة في نظام تطبيقه، إذ إن هناك شُحا واضحا في المشاريع، وانقطاعات تخللت سنوات الدعم، منذ انطلاقه في العام 2007 وحتى تجميده في العام 2017.
يتضح مما سبق أن مشروع التفرغ الإبداعي في حقل الفنون التشكيلية، والذي ما زال مجمدا لغاية اللحظة، لم يأخذ مساره بالشكل الصحيح، وأن مجموع المبالغ التي صُرفت في هذا الإطار، وخلال الأعوام 2007- 2013 بالإضافة للعام 2017، آخر عام يُفعّل فيه المشروع، لم تتجاوز 75 ألف دينار كمكافآت للفنانين الذين حصلوا على منح التفرغ، وهو مبلغ زهيد جدا وفقا للفنان التشكيلي زياد عليان، إذ يقول، “إن مبلغا كهذا يعطى لفنان واحد في دولة تحترم الفن وتعمل على تمكين الفنان وايصال رسالته السامية”.
وزيرة الثقافة الدكتورة لانا مامكغ قالت في سياق تجميد المشروع، أنّها اتّخذت قرار التجميد إثر “مناداة المثقفين بإعادة النظر في هذا الملف”، مشيرة الى أن “هناك من استأثر بالامتياز الذي يمنحه البرنامج”. ولفتت إلى “وجود تجاوزات استدعت تجميد البرنامج”.
الأعمال التالية، من ضمن مشروع التفرغ الذي اشتغل عليه الفنان التشكيلي، مدرس الرسم والتصوير في كلية الفنون/ الجامعة الأردنية، غسان أبو لبن، والحاصل عليه في العام 2010.
المدن الثقافية والمشاريع الفنية:
في العام 2007، أطلقت وزارة الثقافة مشروعا رياديا آخر؛ المدن الثقافية، والذي عُني بدعم المنتجات الإبداعية والمبدعين في جميع المجالات الإبداعية، ولم يكن الفن التشكيلي بمنأى عن ذلك، فقد تم تقديم الدعم المادي واللوجستي لمجموعة من الفنانين والهواة على حد سواء، كلٌ حسب المكان الذي ينتمي إليه، بالدرجة الأولى، مع فتح المجال لفنانين من محافظات أخرى للمساهمة في مشاريع المحافظة المعنية.
الفنان التشكيلي، معين الحمايدة، والمتابع للشأن الثقافي، يُعلق على الشكل التالي ويقول إن الاهتمام أوضح ما يكون في الحقول الإبداعية الأخرى، وليس للفنون البصرية سوى “أذن الجمل” من مجمل ما تقدمه الوزارة من دعم ورعاية في هذا الإطار، إذ إننا نشهد كل عام المزيد من المهرجانات الغنائية والموسيقية الدورية، كذلك المهرجات المسرحية ومحافل النشر والكتب، لكن الفنون البصرية، تحظى بدعم متفرق وغير ممنهج وقليل
زيد المرافي، وهو فنان حاصل على عدة جوائز في مجال الرسم والتلوين، يقول إن الوزارة أخذت على عاتقها سياسة توزيع القليل على الكل، بدلا من الكل على القليل، وهذا ربما يجدي نفعا في كل شيء سوى الإبداع، لأنه لا يدعم الفن بالشكل المرجو، فعندما يتم حصر الدعم للفنان القدير والمجتهد الذي لديه بصمة على الساحة الفنية بالمبلغ الكافي، فذلك يعني دعم في الاتجاه الصحيح.
وزارة الثقافة، ومن خلال برنامج المدن الثقافية، وعبر 12 سنة؛ ومن خلال المدن الثقافية، قدمت الدعم المالي لما يقارب ال 400 معرض ومشروع فني تشكيلي، بما معدله 1000 دينار لكل فنان. ونلاحظ في الخريطة التالية توزيع المشاريع الفنية كل محافظة، نسبة لعدد الفنانين التسكيليين فيها، إذ قلت المعارض الفنية في كبرى المحافظات الأردنية من حيث عدد السكان، وعدد الفنانين التشكيليين فيها،؛العاصمة وأربد.
الشكل التالي يوضح أن مجمل المشاريع في حقل الفنون التشكيلي، التي تم دعمها من قبل وزارة الثقافة، تتمحور حول المعارض الفنية (اللوحات) بنسبة عالية 75%، بينما حصلت المشاريع البصرية التجريبية على أقل نسبة 0.5%.
الفنان التشكيلي، المهندس المعماري، محمد الدغليس، أوضح في هذا السياق، انه ازاء هذا كله يكون الحصاد التشكيلي المحلي معارض عديدة موزعة على نحو كثيف وطاغ في صالات العرض، لكنها لا تصل لبلوره شخصية او هوية للوحة تشكيلية اردنية إبداعية، جديرة بتمثيل الوطن في الملتقيات العربيه والدولية بالمستوى المشرف والمأمول.
مجلة فنون
في العام 1987 صدرت النسخة الأولى من مجلة فنون الأردنية، التابعة لوزارة الثقافة، والتي تعنى وفقا لرئيس التحرير، حسين نشوان، بموضوعات الفنون المسرحية والسينمائية والتشكيلية والموسيقى والغناء والدراما.
لكن في العام 2014، وتحت ذريعة التقشف، توقفت المجلة عن الصدور، ثم كان العام 2020 الذي أعادت فيه الوزارة المجلة إلى الواجهة وذلك بعد توقف دام ل 6 سنوات، ومنذ ذلك اليوم، إلى تاريخه، صدرت أربعة أعداد من المجلة الفصلية.
في الأعداد الأربعة الأخيرة، والتي صدرت منذ العام 2020، إلى اليوم، ووفقا للدكتور عصفور، جاءت الموضوعات التي تعنى بالفنون التشكيلية الأردنية ( الفنان والمحتوى)، ضعيفة جدا.
هذه المواد، كما يضيف عصفور، لم تتطرق إلى تجربة أي من الفنانين الأردنيين الصاعدين أو الذين هم في بداية أو حتى منتصف مشوارهم الفني، كانت جميعها تتحدث عن فنانين مكرسين، ربما هم في نهاية رحلتهم الإبداعية، إذ تحدثت عن الفنان سلام كنعان 70 عام، الراحل مهنا الدرة، والفنان التشكيلي الرائد رفيق اللحام 71 عام.
الشكل التالي يبين نسب المحتوى الفني التشكيلي في مجلة فنون، مقارنة بالمحتوى الكلي للمجلة، ونلاحظ أن العدد 47 قد حصل على أعلى نسبة مقارنة بباقي الأعداد، ورغم أن النسبة عالية، لكن جميع المواد في العدد تتعلق بفنان واحد، الراحل مهنا الدرة، حيث تناول العدد، بمواد مختلفة، ملف تجربة الدرة، وكما دأبت العادة، يقول عصفور، فإن ملفات المبدعين، تفتح بعد رحيلهم.
الاتفاقيات الثقافية الموقعة بين الأردن ومختلف البلدان العربية والأجنبية
بحسب وزارة الثقافة، هناك ما يقارب من 70 اتفاقية تبادل وتعاون ثقافي وفني بين الأردن وكل من البلدان العربية كافة، بالإضافة لبلدان من أمريكا الجنوبية، وأوروبا وأسيا، وغيرها من الدول، هذه الاتفاقيات تأتي في إطار مشاركة المبدعين في الثقافة والفنون في المحافل والأحداث الفنية التي تعقد في كلا البلدين:
مديرة الاتصال والتعاون الدولي في وزارة الثقافة، السيدة رلى عواد، بينت الآلية التي تتم من خلالها مشاركة الفنان في الفعاليات التي تقام في تلك الدول، "إذ بإمكان الفنان الذي تلقى دعوة من أي جهة خارجية تجمعنا معها اتفاقية تبادل ثقافي، أن يشارك في تلك الفعاليات، ويتم تقاسم التكاليف بين الدولة المرسلة، والدولة المتستقبلة".
وتضيف عواد، بخصوص ما إذا كانت الوزارة تقوم بإرسال الفنانين للمشاركة في أحداث فنية مهمة، اقليمية أو عالمية، " نعم، نقوم بإرسال فنانين للمشاركة في هذا الإطار، الوزارة تتحمل تذاكر السفر، والدولة المستضيفة تتحمل الإقامة وباقي التكاليف"
يتضح من الجدول رقم 2 أعلاه، وخلال الخمس سنوات الفائتة، لم يشارك، ضمن سياق هذه الاتفاقيات، سوى مجموعة صغيرة جدا من الفنانين التشكيليين الأردنيين.
الشكل التالي، يبين نسب مشاركات المبدعين، من مختلف الحقول الفنية، موسيقى وغناء، كتابة إبداعية وسرد، وفنون بصرية، ويلاحظ أن الفنون الغنائية والموسيقية، استحوذت على النسبة الأعلى خلال الخمس سنوات الماضية المتتالية، وبرأي الموسيقي عمر عباد، فإن ذلك يعود لكثرة المهرجات الموسيقية والغنائية المقامة إقليميا وعالميا، ولاهتمام الوزارة في هذا الحقل أكثر من سواه، فهناك مديرية مستقلة للفنون الموسيقية، تابعة لوزارة الثقافة.
الفنان التشكيلي غسان أبو لبن، يقول إن مشاركات الفنانين الأردنيين في المحافل الفنية، الإقليمية أو العالمية، هي مشاركة متواضعة جدا، سواء من حيث أهمية الأسماء المشاركة، أو طبيعة الفعالية، إذ يغيب عن القائمة فنانون مكرسون، بالإضافة لغياب المشاركة في الفعاليات الفنية المهمة كبنالي فينيسيا، وبينالي القاهرة أو حتى اكسبو دبي، وغيرها من "البيناليات" والمعارض المهمة، ويضيف غسان: "ما في إمكانيات لوجستية أو مالية، أو حتى بعد نظر للمساهمة أو طرح وجهة نظر ضمن هذه المشاركات، وبالتالي يغيب الفنان في هذا الأطار، ويبقى ضمن الحدود الدنيا للعمل على مشروعه الفني، وبالتالي تصل صورة مغايرة عن الفن الأردني للعالم".
رئيس رابطة الفنانين التشكيليين، الفنان د. ابراهيم الخطيب، والذي جاء مؤخرا من رحلة فنيةٍ إلى القاهرة، تم دعمها من قبل وزارة الثقافة ضمن إطار التبادل الثقافي مع مصر، يقول إن وزارة الثقافة هي الداعم الحصري والوحيد الآن للرابطة، ويأتي الدعم عن طريق تقديم المشاريع الفنية والثقافية كمقترح للوزارة، وبعد الموافقة على المشاريع يتم تحديد المبلغ.
الخطيب قال، إن المبالغ التي تم يدعم الرابطة بها سنويا تتراوح ما بين 13-15 الف دينار، وتغطي المشاريع التي نتقدم بها الرابطة، بالإضافة لتوفير قاعات عرض لنا في المركز الثقافي الملكي، ناهيك عن المشاريع التي يتقدم بها الفنانون بشكلٍ فردي من خلال مشاريع الوزارة أو المدن والألوية الثقافية، فمثلا، في السنة الأخيرة، تم دعمنا ب 13 الف دينار، لتنفيذ خمسة مشاريع، استفاد منها 40 فنان.
الأمين العام لوزارة الثقافة، هزاع البراري، قال حول محدودية الدعم الذي تقدمه الوزارة للرابطة ولباقي الهيئات، "إن وزارة الثقافة، بالإضافة لرابطة الفنانين التشكيليين، لديها أكثر من 400 جمعية وهيئة فنية في عهدتها، وتقدم لهم جميعا الدعم المالي المناسب بحسب الميزانية المتوفرة، والشحيحة بطبيعة الحال".
البراري أضاف أن الوزارة قامت في العام 2020 بنشر أعمال فنية على موقعها الإلكتروني وصفحاتها على وسائط التواصل مرفقة كل عملٍ بفيديو أنتجته كجزء من سلسلة "ومضات ثقافية، وآخر يقدمّ تعريفاً بنشأة الفنون في البلاد وتطوّرها، منها واحد للفنانة الأردنية فخر النساء زيد (1901 - 1991)، التي تعدّ من أهمّ التجارب المبكرة في المنطقة، حيث تعود بداياتها إلى العقد الثاني من القرن الماضي، كما عرضت الوزارة عملين لرفيق اللحام (1931) والراحل مهنا الدرة (1938)، اللذين يعتبران من مؤسسي الحركة الفنية المعاصرة في الأردن، إلى جانب أعمال لكلّ من محمود طه (1942)، وفاروق لمبز (1942)، وعبد الرؤوف شمعون (1945)، ومحمود صادق (1945)، وغازي انعيم (1960)، ومحمد نصر الله (1963)، وسلام كنعان (1963)، وغسان أبو لبن (1964)، وكمال أبو حلاوة (1974)، وغيرهم.
ويضيف الوزارة أصدرت "بانوراما الفن التشكيلي في الأردن" (1990) لـ محمد أبو زريق وأحمد كواملة، و"معجم التشكيليين الأردنيين" (2006/ مؤلّف جماعي) و"الفن التشكيلي النسوي الأردني" (2014) لـ نور الرشدان.
القضية أعقد من الدعم المالي
مدير البرامج الفنية والثقافية، في متحف الفنون الجميلة، الفنان التشكيلي خلدون حجازين، قال إن وجهة نظري الشخصية كفنان، والتي لا تمثل المتحف، هي أن البداية تكمن في إعادة تعريف بعض المفاهيم التي تتعامل معها وزارة الثقافة، فالمعطيات اليوم تغيرت، والقوالب عفا عليها الزمن، وأصبح من الضرورة مواكبة ما يصل إليه الآخرون الباحثون في هذا المجال، إذ لم يعد من المناسب استخدام السردية القديمة ذاتها والرؤية ذاتها.
ويضيف حجازين، "هناك قطيعة ما بين الفنانين البارزين المجتهدين في بحثهم وفنهم، والمعنيين بالفنون البصرية في وزارة الثقافة، إذ إن هناك أسماء لامعة لا يتم الالتفات إليها أبدا، أو حتى دعوتها أو اخراطها في ما تقوم به الوزارة من أنشطة أو حراك فني، وهذا بطبيعة الجال ينعكس سلبا على المخرجات.
يذهب إلى هذا المنحى، وبشكلٍ تقريبي، الناقد عصفور، إذ يرى أن هناك نوعا آخر من الفجوات الكامنة في بنية الفنون التشكيلية الأردنية، وتتمثل في قطيعة ما بين الرواد المبدعين، والجيل الجديد من الفنانين، إذ يؤكد عصفور، أن هناك حلقات مفقودة في هذه السلسلة، وهذا الغياب، والفقد، له نتائج وخيمة على المنتج الكلي، فعلى الوزارة أن تأخذ على عاتقها ردم هكذا فجوات، من خلال برامج محددة لهذه الغاية، على حد قوله.
غسان أبو لبن، يضيف في هذا الإطار، بأنه لا يوجد لدى وزارة الثقافة مستشارين فنانين على سوية عالية من المعرفة والإبداع، ولا يوجد خطط مستقبلية واضحة، سواء خمسية أو عشرية أو حتى لسنتين للأمام، كل ما هنالك على حد قوله، فعاليات تقام في "جمعة مشمشية"، وردود أفعال، وفعاليات آنية بدون سياق وخطط، وجميعها لا ترتقي للنهوض في واقع الفنون البصرية.
وزير الثقافة الأسبق، د. باسم طويسي، وفي حوار جمعه مع فنانين مستقلين ومنتمين لمؤسسات وجمعيات ثقافية رسمية وأهليه إبان تسلمه وزارة الثقافة 2019-2021، كشف أنذاك عن تراجع الفنون في الأردن في السنوات الأخيرة.
الطويسي وفي سياق الوصول إلى نتائج تطبيقية للفنون وذات مردود مالي للمبدعين، أطلق، أنذاك، فكرة أول مسرعة أعمال تحت اسم "ابداع"، تهدف إلى دعم الأفكار الريادية للشباب في مجالات الثقافة والفنون، لتحويلها إلى شركات ناشئة ضمن إطار خلق صناعات ثقافية وفنية ذات مردود مادي ومعنوي.
أحد المشاريع التي شاركت في الدورة الأولى والوحيدة من المسرعة، هو "إطار فني"، فكرة انطلقت منذ العام 2017 بجهود فنانتين شابتين؛ سارة الرمحي، وجهينة الرواحنة.
ووفقا للرمحي، فإن المشروع وبجهود شخصية من العاملين فيه، يعمل على نشر ثقافة الفنون البصرية، والاستفادة منها في الدعم النفسي لكثير من فئات المجتمع، لا سيما المجتمعات المهمشة، والنائية والأقل رعاية.
تقول سارة، توجهنا إلى وزارة الثقافة أكثر من مرة، عرضنا ما لدينا من أفكار وبرامج، لكنا قوبلنا بالرفض غير المباشر أحيانا، وبالتسويف أحيانا أخرى، ثم وعلى وجه الصدفة، وبينما كنا نبحث عن داعم آخر في وزارة الريادة والإقتصاد الرقمي عن طريق بعض الأصدقاء، طلب منا أن نتقدم لهذا المشروع، "المسرعة الثقافية"، ثم تم اختيارنا للمشاركة ضمن 7 أفرقة فقط من أصل 100 تقدمت للمشروع، وتُشكل في مجملها شركات ناشئة في هذا المضمار، بعد ذلك التحقنا ببعض الورش المتعلقة بكيفية تنظيم العمل، ودراسة السوق وما إلى ذلك من الأمور اللوجستية التي هي مكررة بالنسبة إلينا، فقد التحقنا بورش مشابهة من قبل لكنا توقعنا أن يكون هناك بعض الدعم المالي في حده الأدنى على الأقل، لكن ذلك لم يكن.
أستاذ الرسم والتصوير، وعميد كلية الفنون في جامعة الزرقاء، الفنان التشكيلي د. حسني أبو كريم، والذي افتتح، مؤخرا، معرضه الفني المستقل، "ألوان من الأردن"، مناظر طبيعية لمناطق مختلفة من المملكة، منفذة بالألوان المائية، قال إن هناك تراجعا ملحوظا في تعاطي الوزارة مع الانشطة الفنية المختلفة وليس كما كان في السابق، إذ كان هناك اهتمام ورعايةو، دعم واضح للفنان، وحضورا للوزارة معنويا على أقل تقدير.
أبو كريم، والذي يعتبره الناقد عصفور، واحدا من أهم الفنانين العرب، إذ حصل على عدة جوائز عالمية وعربية في هذا الإطار، ويعمل منذ أكثر من عشرين سنة على تدريس الفن في استديو خاص به، استديو 11، وخرّج مجموعة من الفنانين التشكيليين، من أمثال أحمد شاويش، وغاندي الجيتاوي، ومحمد البربري، تحدث عن تجربة حديثه له مع الوزارة، وقال: "قمت ببعث دعوة رسمية لوزيرة الثقافة لرعاية افتتاح المعرض الأخير، فاعتذرت الوزيرة، ولم يأتِ إلى الافتتاح سوى مساعد الأمين العام د. احمد راشد فقط، الذي تجول في المعرض ثم غادر على وجه السرعة.
الناقد عصفور، اعتبر أعمال أبو كريم، أعمالا عالمية بامتياز، إذ استخدم فيها تقنيات فنية عالية، يقول بهذا الإطار، "هذه الأعمال ترقى لأن يتم الزج بها إلى المحافل الفنية العالمية لإيصال صورة حقيقية عن الفن التشكيلي الأردني".
أبو كريم يضيف، كان من الممكن أن يتم الإيعاز من قبل الوزارة لترويج المعرض، أو استخدام اللوحات، بأي شكل من الأشكال، للترويج للأردن سياحيا على أقل تقدير.
الاعمال التالية، هي من لوحات المعرض الأخير، للفنان أبو كريم، والذي أقيم في إحدى صالات العرض الخاصة. "الأورفيلي".
التقرير التالي، يسلط الضوء على واقع الفن التشكيلي الأردني، من خلال قصة واحد من أهم الرسامين الأردنيين والعرب، د. حسني أبو كريم، وحيثيات افتتاح معرضه الأخير في تموز. 2022 بعنوان: "ألوان من الأردن" في إحدى دور العرض الخاصة.
الأمين العام لوزارة الثقافة، هزاع البراري، قال "نعمل بميزانية ذات سقف منخفض في الأساس، ثم إنه ليس لدينا مديرية فنون بصرية مستقلة، وإنما يتم الأمر على صورة دعم متفرق للبرامج والفعاليات الفنية، إذ يتقدم الفنان بمشروعه الذي يعمل عليه، ثم يتقرر له دعم مناسب، وعلى هذا الأساس أيضا نقوم، من خلال مدن الثقافة والألوية، بدعم الكثير من المشاريع الفنية والفنانين".
وأضاف البراري، أن الوزارة حاليا أعدت خطة لإنشاء مديرية فنون بصرية مستقلة، وهي بصدد تنفيذها على أرض الواقع بعد الانتهاء من تجهيز الكوادر البشرية لذلك.
وفيما يتعلق بالجمعيات والهيئات الفنية التي تتلقى دعم من الوزارة، قال البراري، إن القانون يسمح لكل مجموعة من الأشخاص (7-9) بتأسيس جميعة أو هيئة، وهذا الأمر سمح بوجود المئات من الجمعيات والهيئات التي تتلقى، وفقا للقانون، دعما ماليا من الوزارة، وهذا الأمر "يستنزف ميزانيتنا، لذلك فإنه يجب تعديل القانون بحيث يتم الأمر بصورة مقننة أكثر".
يتضح مما سبق، أن الفنون التشكيلية والبصرية لم تلق اهتماماً جيدا من وزارة الثقافة، لا كما ولا نوعا، على عكس حقول إبداعية أخرى تم تخصيص فعاليات وتظاهرات دورية لها، وحصة أوفر في الدعم المالي، مثل المسرح الذي يشهد ثلاثة مهرجانات سنوياً، إضافة إلى مشروع المختبر المسرحي الجوّال، والغناء والموسيقى، اللتان يخصص لهما ما يقارب من ستة مهرجانات سنوية، أو النشر الذي خُصصت له سلاسل إصدارات عديدة، مثل كتاب الشهر، وسلسلة إبداعات وزارة الثقافة، ومكتبة الأسرة.