معاذ مهيدات وسلطان الدروبي
يعرف الاطباء والاخصائيين التوحد، على انه اضطراب نمائي عام، يصيب الأطفال في سن مبكرة، وعلى الأغلب قبل بلوغهم سن الثالثة، ويتلخص التوحد في عدم قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين، لفظيا أو بالطرق الأخرى، و عدم التعامل مع الأشياء من حوله بطريقة سليمة، و أغلب تصرفاته غير طبيعية، و صعوبة تكوين علاقات اجتماعية مع المحيطين به، مسببا الانعزال والعجز عن التفاعل الاجتماعي، والتقليد، وعدم إدراك الخطر، والنشاط الزائد، و الفشل في التواصل البصري مع الآخرين.
يولد الطفل عادة بحالة طبيعية كأي طفل، ولا تبدو عليه اي علامات مرض نفسي او ما شابه ذلك، ولكن مع الوقت، يلاحظ الابوين ان سلوك الطفل مخالف لسلوك الاطفال الاخرين، ممن هم في عمره، فيتولد لديهم شعورا بان طفلهم ليس طبيعيا، وقد يصل الامر بالطفل، الى حد عدم التفاعل مع المحيط حوله كبقية الاطفال، ودائم البكاء، ولا يتقبل اي شخص يداعبه او يلاطفه، بالاضافة الى اعراض اخرى تتمثل بتأخر النطق وعدم التواصل البصري مع الاخرين، وعدم قدرة الطفل على الإيماءات وخصوصا في السنوات الاولى ، عندها يصبح الطفل محط انظار الاخرين ولا بد من عرضه على الاخصائيين.
وتشير الاحصائيات، ان نسبة الاطفال الذكور الذين يصابون بالتوحد، تبلغ اربعة اضعاف نسبة الاناث المصابات، وان النسبة العامة للإصابة تبلغ اصابة واحدة من 150 ولادة، كما يتضح ان هناك زيادة في اعداد الحالات في السنوات الثلاثة الاخير، و بالنظر الى الحالات التي راجعت مركز جبل الحسين لتشخيص الاعاقات في العاصمة عمان، فقد بلغت في عام 2014، 177 حالة، في حين ارتفعت في عام 2015 الى 216 حالة. اما في عام 2016 فقد ازداد عدد الحالات الى 289 حالة، اما في وحدة التشخيص المبكر التابعة لمستشفى الاميرة بديعة في اربد، بلغت عدد الحالات في عام 2014 ،89 حالة، وارتفعت الى 111 حالة في عام 2015، واستمر الارتفاع الى 146 حالة في عام 2016، اما في مركز العقبة الشامل للتربية الخاصة، وهو المركز المعتمد في اقصى الجنوب لتشخيص الاعاقات المبكرة فقد بلغت في عام 2014 ، 11 حالة، في حين بلغت في عام 2015 ،16 حالة، بينما في عام 2016 انخفضت الى 13 حالة، وبالنظر الى بقية مراكز تشخيص التوحد الحكومية في الاردن، نلاحظ ان هناك ازديادا ملحوظا في حالات التوحد المراجعة لها.
ولعل ابرز العوامل، التي ادت الى ارتفاع اعداد الاطفال المصابين بالتوحد، ترجع الى زيادة الوعي لدى الاهالي بالأنماط السلوكية لأطفالهم، حيث يبادر الاهل الى مراجعة المراكز المختلفة لتشخيص اضطرابات التوحد، واخضاع اطفالهم الى البرامج السلوكية والعلاجية التي يقررها الاطباء والمختصون، كما ترجع الزيادة ايضا الى اتساع معايير تشخيص اضطراب التوحد، عما كان متعارف عليه بالماضي بالأطفال غريبي الاطوار، اضافة الى العامل الوراثي الذي ينتج في بعض الحالات ، فحسب الدكتور محمد القدومي رئيس مركز جبل الحسين، لتشخيص الاعاقات التابع لوزارة الصحة، قد يسبب العامل الوراثي، زيادة عدد خلايا الميتوكندريا عند اطفال التوحد، بنسبة اكبر من الاطفال العاديين، وهذا ما اثبتته الدراسات الحديثة، والتي قد توجد حلولا مستقبلية عن طريق تعديل الجينات لعلاج مرض التوحد.
ويقول الدكتور عبدالله العمري طبيب الاطفال في مركز حطين للكشف عن الاعاقات المبكرة في الرصيفة، ان رحلة العلاج لهذا الاضطراب تبدأ بالعلاج الدوائي والعلاج التربوي والعلاج النفسي والسلوكي، بالإضافة الى بعض اساليب تنمية اللغة لدى الطفل المصاب بالتوحد كنوع اخر من انواع العلاج، فالعلاج الدوائي يعطى للطفل المصاب بالتوحد للسيطرة على اضطرابات الدماغ التي ينتج عنها الإصابة بالتوحد.
ويعد العلاج التربوي مهم جدا، بمساعدة اخصائيين في التربية، بالاعتماد على برامج خاصة لتأهيل الطفل المصاب بالتوحد، وهذه البرامج مصممة لدفع الطفل للتفاعل مع الآخرين ومع الأشياء من حوله، وتعليمه التواصل عن طريق التخاطب، وجعله قادراً على تقبل الآخرين والتعامل معهم دون خوف وانعزال.
ويكون العلاج النفسي والسلوكي، من خلال الدعم النفسي للطفل، عن طريق تعليم الأبوين الطرق السليمة للتعامل مع طفلهم، والطرق التي يقومون بها، لتعليم طفلهم السلوك الصحيح، ومن المستحسن ، استعانة الابوين بعائلة كان لديها طفل مصاب بالتوحد، لمعرفة كافة الطرق السليمة التي يجب التعامل بها مع هذا النوع من الأطفال، مثل أساليب تنمية اللغة لدى الطفل التوحدي، مثل تعليم الطفل التوحدي، النطق بالحروف والكلام أيضاً، وجعل لسانه ينطلق بالأحاديث، مثل: التعليم باستخدام الإشارات المختلفة، سواء باليد أو بالجسم ككل، وهذه الطريقة أثبتت نجاحها، لأن هناك تفاعل كبير ما بين حركة الجسم والدماغ، وكذلك التعليم باستخدام الصور، حيث تحمل كل صورة حرفاً أو كلمة ينطقها الطفل مجرد رؤية الصورة، وهذه الطريقة فعالة جداً مع الأطفال، لحبهم للصور ، بالاضافة لتشجيع الطفل على ترديد الأناشيد والاغنيات فالأم اول من يفهم الطفل
، فهي أقرب الأشخاص إليه ، ليحفظ كلمات أكثر وأكثر، وعلى الوالدين تحمل كافة المسؤوليات تجاه طفلهم التوحدي.
ولا يقتصر الدور على الاهل فقط في معالجة هذا الاضطراب والتصدي له، فهنالك الدور المؤسسي الذي تقوم به الدوائر الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، المتمثل في تأمين مراكز التشخيص والعلاج والمنارات الفكرية، التي تستوعب الاطفال المصابين بالتوحد حتى سن الثامنة عشرة، وتسعى منظمات المجتمع المدني الى تقليل الاصابة بهذا المرض، من خلال تنفيذ حملات التوعية المجتمعية