تحقيق صحفي
لارا الدرابيع – معهد الإعلام الأردني 2022
كنز فوق الأرض وتحت الأرض يتنازع عليهما محب للطبيعة ومربٍ للمواشي مصدر رزقه الوحيد المكان، وشخص مسقط رأسه المكان ينتمي إليه ويرفض أن تدخل موطنه آليات ومعدات الحفر والتنقيب، ومستثمر لمعادن المكان وثرواته.
في رحلتنا لضانا التقينا برجل خمسيني يدعى محمد الفقير من سكان ضانا الأصليين، حدثنا عن حبه الشديد لضانا وعن مغامراته الضانية في الكهوف وأعالي الجبال، وعن حبه لترقب حيوان البدن فجراً، والعصفور ذو الجناح الأصفر عصراً، حدثنا كيف يجن جنونه كلما تذكر أن محميته الجميلة من الممكن أن تتحول بأي لحظة في جزء منها لمنجم نحاس، وكيف يمكن أن تتحول سيدة الدهشة الجبلية إلى قاتلة لحيواناتها ونباتاتها بالإكراه لا برضاها، وأن تتحول من محتضنة لآلاف الحيوانات والنباتات إلى مصيدة.
العيش في ضانا يخلق حبًا غريبًا في قلوب قاطنيها، والعمل في ضانا يجعل من المكان قلبًا ورئةً لعامليها، هكذا يصف لـ “معهد الاعلام” الدليل السياحي في محمية ضانا أحمد الخوالدة حبه لضانا، مبينًا أن ضانا هي مسقط رأسه ومصدر رزقه وكل ما يؤثر عليها سيؤثر عليه، وهو ضد أي إجراء يضر ضانا ومنها التنقيب عن النحاس، والمعادن الأخرى، ولو كانت عوائده بملئ الارض وما فيها أموالًا.
الخلاف حول إجراءات التنقيب والتعدين في ضانا ليس وليد اللحظة اذ إن عمليات التنقيب بدأت في ضانا منذ عام 1962وفقا لوزارة الطاقة لكنه تجدد عام 2016؛ إذ صدر كتاب من رئاسة الوزراء بتاريخ 4/2/2016 ينص على قرار مجلس الوزراء بالسماح للشركة المتكاملة لتنقيب والتعدين خامات النحاس في المنطقة المحددة على أن تتضمن الحفاظ على البيئة، وفي حال تم إثبات الجدوى الإقتصادية للمشروع سيتم توقيع إتفاقية ما بين الجهة المنقبة والحكومة، باقتطاع أجزاء من المحمية وتعويضها بمساحة مماثلة للأجزاء المقتطعة، كما تقرر تشكيل لجنة للمتابعة والإشراف على أعمال التنقيب، ودراسة التقارير، والنتائج التي ستقدمها اللجنة المنقبة، وفيما يلي أبرز مراحل التسلسل الزمني للقرارات الحكومية:
لاقى هذا القرار جدلاً واسعاً، كونه سيطبق داخل أراضي المحمية؛ إذ تعتبر أعمال التنقيب والتعدين مخالفة قانونية بموجب نظام حماية المحميات والمتنزهات الطبيعية وقانون حماية البيئة، ولاقى تخوفاً كبيراً من الأضرار البيئية والصحية والاجتماعية التي من الممكن أن تتبع هذا المشروع، فما هي الآثار البيئية التي سيحدثها التنقيب عن النحاس في ضانا؟
الأثر البيئي للتنقيب والتعدين عن النحاس في ضانا
لمعرفة الاثر البيئي لمشروع التنقيب والاستكشاف عن النحاس لابد ابتداءً من معرفة كيف تتم عملية التنقيب والاستكشاف، وما هي نتائج العملية.
يوضح لنا أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور نزار أبو جابر كيفية إجراء عملية التنقيب والاستكشاف عن النحاس؛ إذ إنها تتم من خلال حفارات وكسارات لحفر الخنادق والآبار في مناطق متفرقة من منطقة معينة، ومن ثم يتم أخذ عينات من لباب الأرض وفحصها لمعرفة مقدار التراكيز للمعدن. هذه العملية بيئيًا لا أثر كبير لها؛ إذ إنها لا تنتج عناصر كيميائية جديدة ولا يستخدم فيها مواد كيميائية خطيرة؛ إذ إن أثر هذه العملية يقتصر على ترك المخلفات الترابية وتغيير شكل الأرض وطبوغرافيتها، بالتالي من الممكن أن تتسبب بضرر على النباتات والحيوانات الموجودة في المنطقة، كونها متأقلمةً مع الظروف الموجودة حاليًا لا على الظروف التي ستفرضها عمليات التنقيب والاستكشاف على المكان.
أما بالنسبة لعمليات التعدين فتتم بعدة طرق تتمثل بالتفجير، أو الحفر، أواستخدام المواد المذيبة للصخور كأسيد الكبريت، أوعن طريق إزالة غطاء التربة السطحي.” Open Cast Mining”، ويتم اختيار الطريقة الأنسب من بين هذه الطرق حسب متغيرات محددة كصلابة الصخر، وتراكيز الخام، ومسافة وجود المعدن، وبعده عن سطح الأرض كما يبين أبو جابر.
ويتابع أبو جابر أن عملية التعدين قد يكون لها تأثير كبير على البيئة أو تأثير ضئيل وذلك حسب المواد والتكنولوجيا المستخدمة، ولكن بكل الأحوال القول بمنع إحداث أثر بيئي هو أمرٌ ليس عمليًا اطلاقا، إذ إن عملية التحكم بتحرك العناصر والمواد الناتجة عن التعدين امرٌ صعب التحقيق؛ كون هذه المواد موجودة بالبيئة اصلًا، وعملية التعدين ستسمح لهذه المعادن بالتحرك من مكان لآخر، والتفاعل بالعناصر الأخرى، كما أن عملية تكسير وتفتيت الصخور ستجعل هذه المواد الموجودة اصلا بالصخور أكثر عرضة وسهولة للتسرب، خاصة مع الهواء ومياه الأمطار، بالتالي من الممكن أن تدخل بالتربة والغطاء النباتي والمياه الجوفية والمسطحات المائية، وتنتقل للغطاء النباتي الموجود بالمنطقة وتدخل بالدورة الغذائية وتضر الإنسان وفقًا لأبو جابر.
ويبين أبو جابر أن هذه المواد صحيح أنها موجودة بالطبيعة، ولكن إذا تجاوزت هذه المواد تراكيزَ معينة ستتجاوز الحدود الآمنة، ويصبح لها أثرٌ خطيرٌ على البيئة ومكوناتها من تربة ومياه وحيوان ونبات.
أثر عمليّة التنقيب على المحميّة
عملية التنقيب التي أجرتها الشركة المتكاملة في الفترة ما بين 2018_2020 داخل المحمية أحدثت أثاراً بيئية كأي عملية تنقيب؛ إذ قامت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة برصد هذه الآثار خلال تقرير الزيارة الميدانية الأخير في كانون الأول لعام 2020 بعد إخلاء الشركة للموقع، وكانت نتائج التقرير الوقوف على ثلاث ملاحظات رئيسية كانت أثراً مترتباً على عمليات التنقيب السابقة، والتي كان من الملزم للشركة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل إخلاء الموقع، وهي حفرة المخيم، وحفر آبار التنقيب، وشبكة الطرق غير المغلقة في وادي خالد ووادي ضانا.
ووفقًا لتقرير الزيارة الميدانية الذي حصل معهد الإعلام الأردني على نسخة منه، فإن حفرة المخيم لاتزال كما هي دون إعادة تأهيل، وهي حفرة كبيرة بمساحة تصل الى 400 م2 تم خلالها تعرية الطبقة السطحية من الأتربة ووضع الأتربة جانبًا لتغطي مساحة، 400م2 أخرى، ونتج عن هذه العملية طمر وتدمير الغطاء النباتي وما يحتويه من موائل طبيعية.
كما رصدت الزيارة عدداً من حفر آبار التنقيب التي تم إنشاؤها؛ لأخذ عينات لاستكشاف الصخور والخامات المعدنية الموجودة فيها، وهي بأعماق تتفاوت تبعاً لبعد الطبقة الصخرية أو قربها، تم رصد بعضها مفتوحاً وبعضها مغلقاً بطريقة لا تفي بالغرض كونها أغطية إسمنتية هشة معظمها أزيل أو تعرض للكسر.
أما بالنسبة لشبكة الطرق غير المغلقة خلال الكشف الميداني لمنطقة خربة النحاس ووادي راطية، تبين من خلال الجولة الميدانية التي قام بها الفريق المعنيّ في الجمعية الملكية أن الشركة المتكاملة لم تقم بواجبها بالالتزام بإغلاق الطرق المنشأة لأغراض التنقيب.
هذه الملاحظات الرئيسية تم إيصالها للشركة المتكاملة للتنقيب والتعدين، وتوصيتها بإعادة تأهيل حفرة المخيم تحت إشراف مندوبي الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، والعمل على إعادة إغلاق حفر الآبار نهائياً وبشكل ملائم في حال عدم الرجوع إليها، وإغلاق جميع الطرق الرئيسية والفرعية، وفقاً لمديرالمناطق المحمية عثمان الطوالبة، مضيفاً أن الأمور ما تزال على ما هي عليه دون أي تغيير لغاية كتابة هذا التقرير.
ويضيف الطوالبة أنه لربما السبب الرئيسي لهذه المخالفات هي انتفاء وجود عقوبات قانونية تترتب على الشركة وفقاً لمذكرة التفاهم المعقودة؛ إذ إن مذكرة التفاهم تلزم الشركة بإعادة تأهيل المنطقة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه دون ترتيب جزاءات.
أستاذ القانون الجنائي في جامعة فيلادلفيا الدكتورمؤيد الخوالدة يبين أن المخالفات القانونية والأفعال المخالفة للقانون لا تعد مخالفات أو جرائم مالم تُرتّب عقوبة مادية كالحبس والغرامة، ويقتصرأثرها في أحوال كهذه بأن تكيّف قانونياً بأنها مخالفة أخلاقية، لا ترتب جزاء سوى الجزاء الأخلاقي.
على الرغم من هذه الملاحظات التي تم رصدها من قبل فريق العمل الممثل بأعضاء من وزارة البيئة والجمعية الملكية لحماية الطبيعة؛ لمتابعة موضوع التنقيب عن النحاس في المحمية من حيث الإشراف والرقابة والتقييم، إلا أن وزارة الطاقة والثروة المعدنية ممثلة بمدير مديرية المشاريع ليث أبو عفار تنفي ارتكاب شركة المتكاملة أية مخالفة استناداً لمذكرة التفاهم الأولى، وتؤكد أن وزارة الطاقة لم ترصد أي مخالفة ولا معلومات لديها تتضمن ارتكاب الشركة لأية مخالفة، بالتالي لم يكن هناك أي مانع من عقد مذكرة تفاهم معها للمرة الثانية بتاريخ 5/6/2022.
ويجدر القول أن مذكرة التفاهم الثانية التي حصل معهد الإعلام الأردني على نسخة منها كما هو الحال بمذكرة التفاهم الأولى لم ترتب بنصوصها أية عقوبة أو شرطاً جزائياً يترتب على مخالفة بنود مذكرة التفاهم، وبهذا الصدد تبين مديرة مديرية المشاريع في وزارة الطاقة المهندسة يارا النمري أن الوزارة في حال رصدت أي مخالفة ليس لها الحق إلا بفسخ المذكرة الممنوحة للشركة المتكاملة، بما أن بنود المذكرة لم تتضمن عقوبات أو جزاءات نتيجة مخالفة أي من بنودها.
مدير المناطق المحمية في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة يقول إن انتفاء ترتيب مسؤولية قانونية رادعة وفقاً لمذكرة التفاهم الأولى والثانية يجعل من مسألة حماية المحمية من الآثار السلبية أمراً صعب التحقق، خاصة أن الشركة المتكاملة سببت آثاراً بيئة من عملية التنقيب السابقة، ويؤكد أن لا ضماناً كافياً لحماية المحمية من عملية التنقيب وفقاً لبنود الإتفاقية الحالية.
اقتطاع تجمع نادر لعدّة أقاليم من مكان واحد
في أقل من 8 كيلومترات سيلتقي أبعد إقليمين جغرافيين في مكان واحد، إقليم البحر المتوسط واقليم الصحراء العربية، هذا الإلتقاء الفريد يعطي بعداً إضافياً لهذه الأقاليم وميزة تنافسية للمكان.
وفي أقل من 20 كيلو متراً سيلتقي أربعة أقاليم في نقطة واحدة؛ إذ يلتقي إقليم البحر المتوسط شبه الجاف والإقليم الإيراني الطوراني والإقليم السوداني وإقليم الصحراء العربية في مكان واحد، وتلتقي معها الأنماط النباتية والتنوع الحيوي والارتفاعات المتفاوتة وطبوغرافية الأرض المختلفة وفقاً لمدير المحمية عامر الرفوع.
اقتطاع مساحة من هذا المكان يعني الاستغناء عن التقاء نادر وفريد لا مثيل له لأربعة أقاليم وعناصرها، وعن أكبر اختلاط للأنواع الحيوانية في الأردن، وعن مكان وضع فواصلَ فيه أمرٌ في غاية الصعوبة، والإستغناء عن غابات البلوط والبطن الأطلسي التي تتظلى تحتها نباتات الشيح والرتم والسدر من الإقليم السوداني، والغطا والثمام الصحراوي وفقا لمركز البحوث والدراسات في المحميّة.
ستهجر منها الطيور المهاجرة لها
أعلنت محميّة ضانا منطقة هامة للطيور في الشرق الأوسط عام 1995، وتم نشر إعلانها في كتاب المناطق الهامة للطيور (إيفا نز 1995) وأيضا في تقرير مراجعة المناطق المحميّة في الأردن الذي نشرته الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عام 2000.
لذلك تعتبر المحمية أحد أهم المواقع الهامة للطيور في الأردن؛ إذ سُجّل فيها 215 نوعاً من الطيور، منها عدداً كبيراً من الطيور ذات الأهمية الطبيعية الخاصة، وسبعة أنواع ذات أهمية عالمية، مثل طائرالعويسق الذي يفرخ في المحمية، وثلاثة عشرنوعاً ذات أهمية إقليمية، كطائر النعارالسوري الذي يتكاثر في المنحدرات الصخرية المغطاة بالأشجار والشجيرات المبعثرة وفي الغابات المفتوحة؛ حيث تعتبر المحمية موئلاً مهماً لهذا الطائر المفرّخ والوحيد المستوطن في مناطق توزيعه في الشرق الأوسط، كما يوجد العديد من الأنواع ذات الأهمية على المستوى الوطني والدولي، إضافة للعديد من الأنواع المهددة بالانقراض كعصفور البحر الميت والحبارى.
أنواع الطيور الجارحة المتواجدة والمعششة في المحمية تعتبر من الأنواع الدالة على صحة النظام الحيوي حيث أنها تقع في قمة السلة الغذائية وفقاً لخبير البيئة الدكتور سفيان التل.
مشكلة نقص المياه ستتعاظم
تعتبرمساقط مياه وادي ضانا و وادي الغويبة ووادي الضحل ووادي فينان القريب جداً من المحمية من أكبر المساقط المائية في المحمية ومحيطها، والتي يتراوح طولها من 4-10 كم وتشهد عادة سيولاً في فصل الشتاء قد تستمر في بعض الأحيان لأكثر من ثلاثة أيام، وتعتبر هذه الوديان هامة للسكان المحليين للحصول على الحطب للوقود عن طريق الأخشاب التي تحملها السيول من المناطق الغابية البعيدة، كما توفر أراضٍ رعوية موسمية هامة لأصحاب الماشية، بالإضافة إلى العديد من الأودية الأخرى الصغيرة مقارنة بالأودية الكبيرة وذات الجريان الأقل نسبياً مثل وادي خالد ووادي راطيا ووادي الجمل.
العديد من التجمعات المائية (الغدران) في بعض أودية المحمية تنشأ بفعل تجمع مياه الأمطار في فصل الشتاء، وتعتبر العديد من هذه الغدران مهمة جداً للحياة الطبيعية في المحمية، وقد سجل استعمالها من قبل العديد من أنواع الطيوروالثدييات مثل: الشناروالبدن والضباع والذئاب وبني آوى وغيرها، وتعادل هذه الغدران في أهميتها بعض الينابيع الجارية في المحمية، إذ إنها تعتبر مصدر الماء الوحيد في بعض مناطق المحمية، مثل مناطق خراقة والقنيص ومنطقة الجليل، وتستعمل العديد منها بشكل موسمي ودائم من قبل السكان المحليين لسقاية مواشيهم.
أظهرت برامج المراقبة وجود 19 مصدراً للمياه داخل المحمية، بينما يحيط بها ينابيع كبيرة وهامة مثل عين ضانا وعين لحضة يستخدمها السكان لأغراض الشرب والزراعة. وتستخدم معظم هذه المصادر من قبل الأحياء البرية في المحميّة، أما فيما يخص كمية المياه فإن هنالك انخفاض واضح لتدفق بعض المصادر وجفاف لبعضها حيث يتوقع أن أهم أسباب هذه التغيرات يعود إلى انخفاض معدلات الهطول خلال السنوات الماضية.
خبيرة المياه والبيئة الدكتورة منى هندية تقول إن عملية التنقيب والتعدين ستؤثر على مصادر المياه بالمحمية خاصة القريبة من منطقة التعدين، وستؤدي إلى تلويثها، وتزيد مشكلة نقص المياه سوءاً؛ اذ يتراوح العجز المائي الكلي في ما بين 400 مليون إلى 500 مليون متر مكعب سنوياً، وخاصة أن الحاق ضرر بمصادر المياه في ضانا يعني تدمير عشرات مصادر المياه العذبة، وتدمير منطقة غنية بالموارد المائية كما هو موضح بالصورة.
مشكلة نقص المياه لن تتوقف هنا؛ إذ يوضح لنا أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الأردنية نزار أبو جابر أن إجراء عملية التعدين تتم بطرق متعددة منها الحرق والمياه الكهربائية أو أحواض وقنوات المياه العادية، ويبين أن استخراج النحاس عن طريق الأحواض المائية هوالأرجح في منطقة ضانا، وأنه في حال تم اعتمادها كطريقة استخراج ستحتاج عملية التعدين لكمية مياه هائلة، تصل إلى نحو10-30 مليون متر مكعب لكل 50 الف طن من النحاس.
من أين سيتم تدبير المياه لأجل عملية التعدين؟ وهل ستحتاج عملية التعدين المياه أصلاً؟ أسئلة من الصعب أن يتم الإجابة عليها في الوقت حالي وفقاً لمديرة مديرية المشاريع في وزارة الطاقة والثروة المعدنية يارا النمري، كون عملية التنقيب لم تنتهي بعد، ولا دراسات كافية تثبت كميات النحاس الموجودة بالمنطقة، ولم يرد بالمذكرة أي اتفاق على هذا البند، وكون الأمر راجع للشركة المتكاملة في اختيار الطريقة الأنسب للتعدين وفي تدبير المياه إن لزم الأمر.
الأثر السياحي للتنقيب عن النحاس
مواقع السياحة الأكثر نجاحاً هي تلك التي تعتمد على المحيط المادي النظيف والبيئات المحمية، خاصة وأن هذه المواقع تتميز بجمال التضاريس والجمال الطبيعي والتنوع الحيوي أوالجغرافي النادر المثير للاهتمام؛ ما يساعد على اجتذاب السياح، إلا أن هذه المناطق لم تستغل بشكلِِ كافي؛ والسبب في ذلك هوعدم وصول الأردن إلى مرحلة النضج في تسويق السياحة البيئية على الرغم مما يمتلك مقومات كفيلة بصناعة سياحة بيئية ذات مردود اقتصادي كبير في المحميات الطبيعية وفقا لعميد كلية السياحة في الجامعة الأردنية إبراهيم بظاظو.
ويضيف بظاظو إلى أن السبب يعود إلى استراتيجيات تطوير المنتج السياحي الأردني تركز على جوانب تقليدية في عملية التسويق السياحي من حيث المشاركة في المعارض الدولية والأسواق السياحية، ويضيف أن هذه الاساليب كلاسيكية تقليدية لم تعد تتوائم مع متطلبات السياحة الرقمية الذكية في الوقت الحالي، ويبين أن القطاع السياحي لم يستطع أن يستثمرالتكنولوجيا الرقمية في تسويق مواقع الأردن السياحية إلى العالم بالشكل المرضي الذي يتناسب مع ما هو موجود من مقومات يمكن أن تستغل سياحيا. ولذلك هناك قصور واضح في سياسات التسويق السياحي الأردني التي تقع على عاتق وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة.
عند استعراض مؤشرات التنافسية العالمية نجد أن استخدام الاردن للمنصات الرقمية الذكية في المجال السياحي رقم متواضع والأردن في مراتب متاخرة، إذ إن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020-2021 الصادر عن منظمة السياحة العالمية بين أن الأردن يقع في المرتبة 105 من أصل 144 في مجال تطبيق استراتيجيات التسويق من خلال السياحة الرقمية.
الناطق الإعلامي بإسم وزارة السياحة أحمد الرفاعي يقول إنه ليس من عمل وزارة السياحة التسويق للمناطق السياحية البيئية ولا التسويق لمنطقة من المناطق على وجه الخصوص، وإنما عمل الوزارة مع هيئة تنشيط السياحة يقتصر على تسويق الأردن ككل حتى وإن كانت منطقة او موقع ما يتمتع بأهمية أثرية أو بيئية تميزه عن غيره فإن هذا لا يمنحه مفاضلة بالتسويق والترويج.
بدوره يؤكد الناطق الإعلامي باسم هيئة تنشيط السياحة أنس العدوان أن الهيئة تعمل بأقصى إمكانياتها على ترويج الأردن والمناطق السياحية، ويوضح أن سياحة المغامرة هي أكثر أنواع السياحة التي تحاول الهيئة أن تروج لها من خلال الفيديوهات والكتيبات والتشارك مع جهات متخصصة بصناعة المحتوى والترويج، وتاليا الأعمال التي قامت بها الهيئة للترويج للسياحة منذ عام 2020 لغاية لحظة كتابة هذا التقرير.
وبهذا الصدد يؤكد بظاظو أن سياسات وزارة السياحة بالترويج والتسويق لابد وأن تتغير، والقول بأن الترويج لمنطقة معينة في الأردن تتمتع بميزة أثرية أو بيئية أو غير ذلك ليس من عمل وزارة السياحة أو هيئة تنشيط السياحة هو أمرمغلوط كون الهدف الرئيسي للوزارة هو الترويج للسياحة وبالتنسيق مع الجهات الرسمية المختصة ذات العلاقة الى تشجيع السياحة وتطويرها وتنمية الموارد السياحية واستثمارها لزيادة مساهمتها في دعم الاقتصاد الوطني سواء كان الترويج للأردن ككل أو لمنطقة واحدة على وجه الخصوص وفقا لقانون السياحة ونظام هيئة تنشيط السياحة الصادر بموجبه.
محميّة ضانا ممر لا مقصد سياحي
محمية ضانا هي أكثر المواقع الطبيعية تناسباً مع السياحة البيئة، لما تحتويه من تنوع بالتضاريس والإرتفاعات والتنوع الحيوي الهائل، إلا أنها لغاية هذه اللحظة لم تصل ضانا إلى مرحلة تجعلها تعتمد على نفسها في استقطاب السياح؛ اذ أن محمية ضانا تعمد على زوار البحر الميت والعقبة ووادي رم، وفقا لعميد كلية السياحة والفنادق في الجامعة الأردنية الدكتور إبراهيم بظاظو.
يقول بظاظو صحيح أن السياحة في مكان بيئي لا يعني جلب عدد هائل من الزوار؛ إذ يجب ان تتوفر إدارة سياحيّة مثلى تُعنى بالتطوير والحماية للمحمية لتحقيق السياحة المستدامة؛ هذه السياحة تتحقق من خلال الموائمة ما بين احتياجات السياح وإمكانيات الموقع السياحي، مما يؤدي إلى حماية الموارد السياحية في الموقع ، مع المحافظة على الواقع الحضاري والنمط البيئي الضروري والتنوع الحيوي، وعلى الرغم من ذلك إلا أن إمكانات محمية ضانا السياحية مقارنة مع عدد زوارها هو قليل نسبيا، ولا يعتبر العدد القليل للسياح فيها تحقيقا للسياحة المستدامة بقدر ما هو سوء تسويق للموقع سياحيا، وعدم وصول لمرحلة النضج في تقديم ضانا سياحيا الى العالم، اذ نجد أن محمية غابات عجلون هي المحمية الأكثر زيارة على مدى السنوات من 2017-2021 وفقا للشكل التالي:
مدير محمية ضانا عامر الرفوع يؤكد أن عملية الترويج لضانا سياحيا نجحت بشكل كبير، وضانا مستغلة لأقصى إمكانياتها سياحيا؛ اذ أن أغلب زوار المحمية هم من جنسيات أوروبية وقلة عدد الزوار لا يعني ضعف بالتسويق السياحي بل هي ميزة ونقطة ايجابية لصالح حماية التنوع الحيوي بالمحمية.
ومع ذلك فإن مدير المناطق المحمية ومحمية غابات عجلون في الجمعية الملكية عثمان الطوالبة له رأي آخرإذ يقول إن إدارة السياحة في محمية ضانا تحتاج لتطوير، وأنه يمكن استغلال التضاريس البيئية والمسافات الكبيرة والارتفاعات الشاهقة في استحداث ألعاب مغامرة وعقد فعاليات كالماراثونات ومباريات التسلق ومسارات المشي وزيادة عدد المخيمات واستغلال المواقع التاريخية في ضانا بشكل أكبر بكثير مما هو موجود الآن.
ويبين الطوالبة أن الجمعية الملكية نجحت في استغلال محمية غابات عجلون للسياحة البيئية من خلال تطوير المرافق البيئية، وإضافة ألعاب المغامرة، والممرات السياحية، وتطوير الخدمات من مطاعنم وفنادق، وتنوع الأنشطة من مشي في الممرات السياحة والتجول في الغابات ف التعرف على التنوع الحيوي والآثار، وزيارة القرى، وناول وجبات الطعام الريفية، والنوم في الأكواخ الشجرية، وغير ذلك من النشاطات.
ومع ذلك عند قراءة أعداد السياح بالمحميات وخاصة محميتي غابات عجلون وضانا مع أعداد المردود السياحي لهما سنويا سنجد أن المردود السياحي الناتج عن محمية ضانا هو أعلى بكثير من محمية عجلون كما هو مبين بالشكل التالي:
يفسر مدير وحدة المساحة في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة هيثم سمارة السبب في ذلك أن زوار محمية غابات عجلون الحاملين للجنسية الأردنية أكثر بكثير من محمية ضانا هذا من جهة، من جهة أخرى فإن منطقة محمية عجلون هي قريبة للتجمعات السكانية وأقرب للعاصمة عمان من محمية ضانا ما يجعلها خياراً محببا ًللمواطنين، كما أن طبيعة محمية غابات عجلون الغابوية هي الأحب للأردنين خاصة القادمين للمحمية مع عائلاتهم للتنزه السريع، مضيفاً أن أسعار الخدمات المقدمة للاردنين مردودها المادي أقل مما هو مقدم للأجانب بالتالي حتى وإن كان عدد السياح أكثر فالمردود المالي سيكون أقل.
ومع ذلك فإن مدير نزل فينان البيئي نبيل الترزي يرى أن تحقيق الموازنة ما بين حماية الطبيعة وزيادة المردود المالي في محمية ضانا هو أمرٌ سهل التحقيق و لكنه يحتاج تعاون من قبل مزودي الخدمة في المحمية؛ بحيث يقومو بتطوير وإعادة تأهيل الموقع لجذب السياحى وزيادة الخدمات فيه وبالتالي زيادة عدد ايام اقامة السائح بالمنطقة و العوائد المادية حكماً.
ويمكن تحقيق الاستغلال الأقصى من محمية ضانا سياحيا من خلال تطوير الأنشطة واستحداث أفكار جديدة كما هو الحال في نزل فينان البيئي؛ اذ يقدم النزل لضيوفه فرصة الإقامة في مكان منعزل من الأردن والتمتع بالمناظر الخلابة والضيافة المحلية، مجرد الإقامة في نزل فينان هو تجربة فريدة بحد ذاتها اذ تحمل كل غرفة من غرف النزل طابعها الخاص كما يبين الترزي.
لزيادة مدة اقامة الزائر في نزل فينان يبين الترزي أن النزل يوفر خيارات عدة من الأنشطة التي من الممكن أن يقوم فيها الزائر، كالمشي في الممرات الطبيعية داخل المحمية ومغامرات الوديان أو استكشاف التاريخ الأثري الذي يعود لما قبل 11ألف سنة، وتتاح للزائر فرصة الإختلاط بالمجتمع المحلي وتعلم بعضاً من عاداتهم وتقاليدهم عند استضافتهم في بيوت الشعر ومن خلال مشاركتهم أنشطة الرعي أو إعداد بعض الأطباق التقليدية مع طاهي النزل. وفي المساء بإمكان الزائرالاستمتاع بمشاهدة النجوم في السماء والإستفادة من خبرة الأدلاء التي أخذوها عن أجدادهم الذين كانو يستدلون بها على الطريق في الصحراء، هذه الطريقة تجعل السائح يبقى لمدة أطول في الموقع وتوفر خدمات أكثر ما يعود بالنفع على مزوي الخدمة بالنزل وتجعل السائح متعلقاً أكثر بالمكان، وتجعل من ضانا مقصداً أساسياً للسائح في الأردن.
ويؤكد مديرنزل فينان البيئي أن عمليات التنقيب في محمية ضانا سيكون لها أثر سلبي عظيم ليس على السياحة في ضانا فقط وإنما للسياحة البيئية في الأردن بشكل عام؛ لأن السواح المرتادين أماكن السياحة البيئية لا يأتو لضانا فقط بل للأردن ككل، وضانا هي جزء من زيارات أماكن أخرى، ففي حال كان هناك تأثير على جزء من محمية ضانا سيلحق التأثيرالسياحة في الأردن ككل.
مقومات السياحة البيئيّة جميعها تجتمع في ضانا
السياحة البيئية تعتمد على ١٠ مكونات وهي؛ العوامل الطبيعية الإيكولوجية وما عليها من تنوع حيوي، والعوامل المناخية وما تقدمه من عناصر وإمكانات وتحولات في الفصول الأربعة، والعوامل البيولوجية مثل الثروات الحيوانية والنباتية المتنوعة، والقدرة على مراقبة الطيور المقيمة والعابرة، والقدرة على مراقبة النجوم في السماوات الصافية، والعوامل الثقافية غير المادية كالتاريخ والديانات وطبيعة المجتمعات، وعوامل التسلية والشبه البيئة كالتخيم والتسلق، ومشاركة المجتمع المحلي بنمط عيشهم لفترة ما ،وخاصة في السكن والطعام وطقوس المنازل القديمة وفقا للدكتور بظاظو.
ويبين بظاظو أن كل المكونات السابقة هي موجودة في محمية ضانا وهو أمر نادر الوجود والتحقق؛ إذ إنه في أغلب الأحيان يجتمع عنصران أو ثلاثة وأحياناً عنصر واحد فقط كمرصد طيور العقبة المخصص لمراقبة الطيور، ويرى أن الاستغناء عن أي جزء من ضانا يعني الاستغناء عن تجمع نادر لمكونات السياحة البيئية في مكان واحد، وإحداث أي ضرر في أي مكون منها يعني تدمير لموقع سياحي بيئي للأبد.
السياحة في مكان بيئي لا يعني جلب عدد هائل من الزوار؛ إذ يجب أن تتوفر إدارة سياحية مثلى تُعنى بالتطوير والحماية للمحمية لتحقيق السياحة المستدامة؛ اذ تتحقق هذه السياحة من خلال الموائمة ما بين احتياجات السياح وإمكانيات الموقع السياحي، مما يؤدي إلى حماية الموارد السياحية في الموقع السياحي، مع المحافظة على الواقع الحضاري والنمط البيئي الضروري والتنوع الحيوي.
عملية التنقيب او التعدين في المحمية ستؤثر سلباً على الاستمرار في الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية مع المحافظة على التنوع الحيوي والحد من الآثار الملوثة للبيئة وهو ما يتنافى مع السياحة المستدامة وفقاً لمساعد مديرعام هيئة تنشيط السياحة يزن الخضيري، مبيناً أن السياحة المستدامة تتميز بأنها تحافظ على قاعدة الموارد الحيوية وعلى قدرتها المستمرة على الإنتاج، والتنوع البيولوجي وتتفادى التغييرات البيئية التي يتعذرعكسها، وتحافظ على الإرث التاريخي للمنطقة وتحميه، وهو ما لا يمكن تحقيقه مع عملية التنقيب الحالية والتعدين المحتمل حدوثها.
ويؤكد الخضيري أن عملية التنقيب أو التعدين في المحمية ستؤثر سلباً على الاستمرار في الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية مع المحافظة على التنوع الحيوي والحد من الآثار الملوثة للبيئة وهو ما يتنافى مع السياحة المستدامة، مبيناً أن السياحة المستدامة تتميز بأنها تحافظ على قاعدة الموارد الحيوية وعلى قدرتها المستمرة على الإنتاج، والتنوع البيولوجي وتتفادى التغييرات البيئية التي يتعذر عكسها، وتحافظ على الإرث التاريخي للمنطقة وتحميه، وهو ما لا يمكن تحقيقه مع عملية التنقيب الحالية والتعدين المحتمل حدوثها.
ستجهض كلّ خطط تطوير السياحة المستقبليّة
“إنها قطعة من الفردوس الدنيوي تفرد أخضرها على ٣٢٠كم من الأرض المحظية بروعة الطبيعة في جنوب الأردن، فيها يصل الزائر الى تعريف جديد للسكينة وجمالية الطبيعة، ما يميز ضانا عن غيرها من المحميات قدرتها على خلق التواصل التلقائي بين الإنسان والمكان والزمان، والزائر إليها يقضي نهاره في استكشاف روعتها ويسهر ليله متأملًا سمائها الحنونة ونجومها المتلألئة ” هذا ما سيجده السائح مكتوباً على خارطة محافظة الطفيلة السياحية، الفيديو التالي يوضح هل تم استغلال محمية ضانا سياحيا لأقصى إمكانياتها؟ وكيف ستؤثر عمليات التنقيب الحالية والتعدين المحتملة مستقبلا على السياحة في قطعة الفردوس الدنيوي؟
مدير المناطق المحمية عثمان الطوالبة يقول إن جميع الخطط المستقبلية لتطوير السياحة في ضانا ستموت قبل أن تولد، لأن السياحة في ضانا تعتمد على جمال الطبيعة والمسافات الشاهقة والطويلة لممرات المشي ومغامرات التسلق التي تبدأ من شمال المحمية خلوصاً إلى جنوبها.
الأثر الإجتماعي على رعاة المواشي
يَعتبر معظم أصحاب المواشي في المحمية أن الرعي في المحمية جزء من حقوقهم القديمة والتي يجب أن يستمروا بها كون المحمية جسم حديث نسبياً وأتت بعد سكنهم وإقامتهم في المنطقة، وقد أدت العديد من الظروف الخارجية مثل: قلة الأمطار ورفع الحكومة الدعم عن الأعلاف إلى زيادة الاعتماد على المراعي الطبيعية ومنها المراعي الطبيعية في محمية ضانا.
يعتبر الرعي واحداً من أهم استعمالات المحمية التي تترافق مع نشاط تربية المواشي و يقوم به سكان المحمية وبعض السكان المجاورون للمحمية، ويعتمد جزء كبير منهم عليه كمصدر رئيسي للدخل، ولتنظيم الرعي في المحمية تم وضع خطة رعي لمحمية ضانا عام 1995 تقوم على النقاط الرئيسية والواضحة لأثر الرعي في المحمية، وتقوم وظيفة جهاز الحماية التأكد من تطبيق هذه الخطة والتزام أصحاب المواشي بها مع ما يقتضيه الأمر من متابعة المخالفات حسب قانون الزراعة الذي يفوض موظفي المحمية بمخالفة من يتعدى على نظام المراعي في المحمية وبناءاً على هذه الخطة أصبحت المحمية مقسمة لثلاث مناطق وهي:( منطقة الرعي الدائم، ومنطقة الرعي الموسمي، ومنطقة منع الرعي) كما هو موضح بالخريطة التالية:
وفقاً لمركز البحوث والدراسات في محمية ضانا تتمثل منطقة منع الرعي بالمنطقة يمنع الرعي فيها طوال العام و تعتبر بؤرة المحمية، تمتد من شمالي وادي ضانا من الخرارة إلى وادي محجوب غرباً إلى حد المحمية الشمالي، و تضم هذه المنطقة غابة السرو الطبيعي الوحيدة الموجودة في المحمية وتعتبر هذه المنطقة أكثر منطقة يتم تسجيل مشاهدات للثدييات فيها في المحمية مما يعطي أهمية كبرى لهذه المنطقة كموئل لهذه الحيوانات بالتالي يمنع فيها الرعي منعاً باتاً لحماية التنوع الحيوي والموائل الطبيعية.
أما منطقة الرعي الموسمي فيسمح بالرعي فيها خلال القترة الممتدة من بداية السنة الى نهاية شهر نيسان، وهي منطقة تعتبر المشتى الوحيد لمربي المواشي من سكان ضانا والقادسية، ويتم إعطاء تصاريح رعي لمربي المواشي عند سكنهم الموسمي في البرة من قبل المحمية ووزارة الزراعة ويكون ممثلو المحمية في هذه العملية موظفي التفتيش ويشترط في من يعطى تصريح الرعي أن يبين مكان سكنه في البرة (إمّا بيت شعر أو أحد كهوف منطقة البرة بعد تأهيله).
بينما تشمل منطقة الرعي الدائم وادي ضانا ومناطق وادي عربة، وهي المنطقة الأكبر مساحة، و يسمح الرعي في هذه المنطقة طوال العام وتعتبر المجتمعات الموجودة في وادي عربة من المجتمعات المعتمدة على الرعي كمصدر رزق رئيسي، ويتنقل سكان هذه المنطقة من منطقة وادي عربة إلى مناطق الشوبك و أعالي الطفيلة صيفاً وبالعكس في فترة الشتاء، إلا أن عملية التنقل هذه لا تشمل جميع ساكني المحمية في منطقة وادي عربة، و يقوم جهاز الحماية بتسجيل أي حالات سكن جديدة في هذه المنطقة من غير السكان الأصليين، والتأكد من عدم وجود أية مخالفات مترافقة مع عمليات الرعي من قبل أصحاب المواشي.
عملية التنقيب التي تتم حالياً ستقتطع جزءاً كبيراً من منطقة الرعي الدائم والرعي الموسمي الأمر الذي سيكون له تأثيراً كبيراً على مربي المواشي؛ إذ تعتبر هذه الأماكن هي موطن رزقهم، ويعتمد مربي المواشي في ضانا على الرعي الطبيعي لتغذية مواشيهم بشكل رئيسي خاصة بعد تقليل الدعم عن الأعلاف من قبل وزارة الزراعة بنسبة 20%، ويعتمدون على عيون الماء والمسطحات المائية التي تجري في ضانا لسقايتها.
مدير جمعية مربي المواشي التعاونية محمد النعانعة يبين أن العديد من الأحداث توالت خلال السنوات الأخيرة كلها تصطف ضد صالح مربي المواشي في ضانا، بدءاً بمصنع الاسمنت وانتقالاً لتقليل الدعم على الأعلاف، ومنعهم من دخول الاراضي الخاصة بلواء الأمير زيد بن الحسين العسكري الآلي أحد تشكيلات المنطقة العسكرية الجنوبية، إلا أنه يؤكد أن اقتطاع جزء من المحمية لغايات التنقيب عن النحاس والمعادن ستكون الأشد وطأة على مربي المواشي، الفيديو التالي يبين كيف ستؤثر عمليات التنقيب عن النحاس على مربي المواشي في محمية ضانا من وجهة نظررئيس جمعية مربي المواشي التعاونية:
أحمد الخوالدة أحد مربي المواشي في ضانا يقول إنه بدأ يعتمد على الأعلاف المشتراة من وزارة الصناعة والتجارة والتموين منذ خمس سنوات لتغطية احتياجات قطيعه من الأعلاف التي لا يستطيع تغطيتها من الرعي الطبيعي في الأحراج بسبب التغير المناخي، إلا أنه يحاول قدر المستطاع الاعتماد على الأحراج الطبيعية لارتفاع أسعار الأعلاف المشتراة لعدم قدرته المالية على تغطيتها، مضيفاً أن اقتطاع جزءاً من المحمية لغايات التنقيب يعني زيادة الأوضاع سوءاً.
وزير الزراعة خالد الحنيفات يقول إن خفض نسبة الدعم على الأعلاف هي مسألة مؤقتة مشيرا إلى أن الوزارة بدأت منذ أيلول الحالي عملية الترقيم للمواشي لمنع الحيازات الوهمية، مبينا أنه في حال الانتهاء من عملية الترقيم سيعود الدعم على الأعلاف كما كان سابقاً.
مساعد الأمين العام للثروة الحيوانية ومدير الترقيم في وزارة الزراعة المهندس مجدي العمر يقول إن أكثر من 50% من أعداد المواشي في محافظة الطفيلة موجودة في لواء بصيرا التي تضم ( القادسية وضانا)؛ اذ إن محافظة الطفيلة ككل تحتوي 91 الف رأس ماشية، منها 48 الف راس موجودة في ضانا.
ويقول العمر إن وزارة الزراعة لن تعوض مربي المواشي عن اقتطاع جزءاً من المحمية، ولا وجود لخطط مستقبلية لدى الوزارة ستضمن لمربي المواشي تعويضاً أوزيادةً على الدعم الخاص للأعلاف نتيجة اقتطاع جزءاً من الأراضي المخصصة للرعي الدائم أو الموسمي لهم.
الحديث عن اي أمر يخص ضانا ونحاسها ممنوع
بقرار من مجلس الوزراء منع مسؤولي وموظفي الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عن الحديث عن أي أمر يخص نحاس ضانا صحفياً وإعلامياً تحت طائلة المسائلة القانونية، وذلك بحسب مدير العلاقات العامة والإعلام في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة سالم النفاع.
عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني كتب في مقال له بجريدة الغد “نقاش حضاري، وصحي ووطني، ذلك الدائر بين من يؤيدون استخراج النحاس من محمية ضانا، وأولئك الذين يقفون ضد ذلك. هذا التباين بالآراء وارد في اي مجتمع متقدم متعدد، يمارس الجميع من خلاله حق التعبير عن آرائهم ومصالحهم، ليحسم الامر من خلال الوسائل والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة، وهي في هذه الحالة البرلمان، فهو الجهة التي تستطيع ان توقف توجه الحكومة بالتنقيب في ضانا، فتقوم لذلك مؤسسات حماية البيئة، والناشطون الأردنيون في هذا المجال، بمحاولة التأثير على البرلمان، من خلال الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني، في محاولة لخلق رأي عام ضد فكرة التنقيب”.
بدوره يؤكد مدير المناطق المحمية في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عثمان الطوالبة أن منع مسؤولي الجمعية الملكية من التصريح للصحافة والإعلام فيما يخص نحاس ضانا خوفاً من التأثير على الرأي العام هو انتهاك لحقوقهم بالتعبيرعن الرأي، وممارسة صلاحيتهم بإدارة وحماية محمية ضانا.
ضانا أم النحاس أغلى
دراسات عديدة لمعرفة الجدوى الاقتصادية لإجراء عمليات التعدين للنحاس في ضانا تمت خلال الفترات الماضية منذ عام ١٩٦١ لليوم، لكن لم تصل هذه الدراسات لمرحلة تمكن من معرفة مدى الجدوى الاقتصادية لعملية التعدين واستخراج النحاس بشكل مؤكد، بل أثبت نسباً تقديرية لوجود خامات النحاس بالمنطقة تقدر بحوالي ٤٥ مليون طناً من النحاس، منها 25 مليون طن في منطقة فينان و20 مليون طن في خربة النحاس بحسب مدير دراسات المصادر الطبيعية في وزارة الطاقة هشام الزيود.
يبين الزيود أن الدراسات السابقة أثبت أن نسب خام النحاس المتواجدة هي عالية جدا تتراوح بين ١,٨- ٢,٤، موضحا أن هذه النسب تعني أنه في حال تم أخذ واحد طن من النحاس الخام يتم تحصيل ما يقارب ٢ كيلو غرام صافي، وأن٢٠ مليون طنا من النحاس فقط لو افترضنا أنها بأقل تركيز أي بتركيز ١,٨ ستنتج مليوني طن من النحاس الصافي كأقل حد و من الممكن أن ترفد الاقتصاد بما يقارب ١٥ مليار دولار حسب تغير الإسعار.
الناطق الإعلامي باسم وزارة الطاقة مشهور أبوعيد يبين أن هذا الاستثمار سيساعد بتوفير ٣٥٠٠ وظيفة عمل منها ٢٥٠٠ فرصة عمل مباشرة، و١٠٠٠ فرصة عمل غير مباشرة.
الدكتور محمد قطيشات من السكان المحليين لمحافظة الطفيلة يقول إنه يؤيد وجود مشروع لاستثمار الموارد الطبيعية في الطفيلة يمكن من خلاله توفير فرص عمل للسكان المحليين حتى وإن كان له أثر بيئي؛ مبيناً أن الوضع المعيشي في الطفيلة سئ جدا ولا يمكن إنقاذه إلا بمثل هذه المشاريع الكبيرة التي توفر فرص عمل لعدد من شباب المنطقة العاطليين عن العمل.
حق التنقيب والاستكشاف للمتكاملة… تصاريح متضاربة حول أسلوب منح الحق
معلومات متضاربة حول منح حق التنقيب للشركة المتكاملة من قبل وزارة الطاقة والثروة المعدنية اذ إن مدير دراسات المصادر الطبيعية وعضو اللجنة الفنية العليا للمعادن الاستراتيجية لمشروع التنقيب عن النحاس في ضانا يقول إن الوزارة أعلنت عن طلب تقديم عطاءات ومن ثم تم التقديم لهذا العطاء من قبل أكثر من شركة ومن بعد ذلك تم عقد مفاضلة حصلت فيها الشركة المتكاملة للتنقيب والتعدين أعلى العلامات وكسبت العطاء.
ويبين الزيود أنه لا يتم منح أي شركة العطاء إلا باستحقاق علامة عالية يتم تحديدها من خلال لجنة فنية، وبعد تحقيق العلامة اللازمة توقع مذكرة التفاهم.
ويؤكد الزيود أن الشركة المتكاملة لم تعامل بأي خصوصية قبل منحها العطاء وحق إجراء الاستكشاف والتنقيب بمذكرة التفاهم الأولى، ولا حتى بمذكرة التفاهم الثانية إلا في مسألة حيازتها لملفات قدمتها وفقا لوجودها بالمنطقة مما اعطتها فرصة أكبر لكسب حق التنقيب للمرة الثانية، إلا أنه وبالرجوع لموقع وزارة الطاقة والثروة المعدنية وتفقد إعلانات طرح العطاءات الخاصة بإجراء عمليات التنقيب أو التعدين لم نجد أي اعلان يتضمن ببنوده إجراء عمليات التنقيب والتعدين في منطقة ضانا.
مديرة مديرية المشاريع المهندسة يارا النمري أدلت بمعلومات مغايرة تماماً لما قدمه مدير دراسات المصادر الطبيعية حول منح حق التنقيب للمتكاملة؛ إذ إنها تقول إن الشركة هي من قدمت طلباً لأجراء التنقيب عن النحاس في منطقة محمية ضانا وتم الموافقة عليه من قبل وزارة الطاقة.
وبهذا الصدد يقول نقيب نقابة الجيولوجيين زياد الشوابكة أن النقابة منذ عام 2002 توصي وزارة الطاقة بإجراء استثمارات في منطقة وادي عربة، وتحويلها إلى صناعات تحويلية تسهم بإحداث نمو حقيقي بالإقتصاد الوطني وإحداث تنمية شاملة في مناطق الجنوب، وأن النقابة منذ سنوات تطالب بتسليط الضوء على استغلال خامات النحاس وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية اللازمة وتخصيص المنطقة التي يتواجد فيها النحاس بمواصفات جيدة ضمن منطقة ضانا بهدف استكمال الدراسات لتحديد الاحتياطي المتوقع، مبيناً أن إعطاء حق التنقيب واجراء الدراسات للشركة المتكاملة هو أمر عليه علامات استفهام.
ويقول الشوابكة أن قيمة النحاس في الأردن تقدر بقيمة 11مليار دولار، حسب المعلومات العلمية المتوافرة بعد عقود من العمل الجيولوجي الكثيف في المناطق المستهدفة في وادي عربة.
ومع ذلك فإن قيمة النحاس الموجودة لا يتم حسابها بهذه البساطة وفقاً للاقتصادي سلامة الدرعاوي؛ إذ يبين أهمية طرح كلف عديدة من عوائد المشروع المالية تتمثل؛ بالرواتب والأجور والضرائب والكلف التشغيلية وحماية البيئة وإعادة تأهيل الموقع واستقطاب الخبرات الأجنبية؛ كون عملية التعدين في حال حدوثها ستكون العملية الأولى بتاريخ الأردن.
أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الألمانية نزار أبو جابر يرى أن القول بأن عوائد التعدين ستكون 11مليار دولار كما يقول نقيب الجيولوجيين تفتقد للصحة العلمية وللمصداقية وفيها “نبرة دعائية ومزاودة” كون كميات النحاس والجدوى الاقتصادية لم تثبت بعد، مبيناً أن من المهم الحفاظ على منجزات الجيولوجيين ومن ضمنها نقابتهم من خلال الأمانة العلمية ومخاطبة العقل بمعلومات علمية دقيقة ومؤكدة،مبيناً أن هذه الأمورحالياً تحت الدراسة وبيد المستثمر وهو من يقرر السير في المشروع إن كان مجدي اقتصادياً.
ضانا هي منجم النحاس الوحيد للأردن
الخرائط الجيولوجية الصادرة عن مديرية الجيولوجيا التابعة لوزارة الطاقة تبين أن مواطن تواجد النحاس في الأردن تقتصرعلى المنطقة الواقعة بين جنوب الطفيلة ووادي عربة، اي أن محمية ضانا هي الموقع الوحيد في الأردن الذي اثبتت الدراسات والخرائط الجيولوجية وجود خام النحاس فيه كما هومبين بالخريطة:
وبهذا الصدد يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة البيئة أحمد عبيدات يقول إن عملية التنقيب لن يكون لها أثر كبير على البيئة لأن العمل لن يكون إلا بوجود دراسة تقييم للأثر البيئي التي تراعي وجود عمليات التنقيب في منطقة مهمة بيئياً كمحمية ضانا، مبيناً أن هذه الدراسة تقوم بها الشركة المتكاملة للتنقيب والتعدين وتوافق عليها وزارة البيئة بعد مراجعتها من قبل اللجنة الفنية.
ويؤكد عبيدات أهمية استثمار الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن ما بين استثمار الموارد والبيئة؛ مبيناً أن وزارة البيئة تعمل وفقاً للقوانين والأنظمة، وعملها داخل حدود المحمية هو قانوني استناداً لنص الرابعة من نظام المحميات والمتنزهات الوطنية؛ إذ يتم تعديل حدود أي محمية طبيعية أو متنزه وطني وفقاً لنص المادة بقرار من مجلس الوزراء، وبناءً على تنسيب من الوزير المستند إلى توصية اللجنة الفنية المنصوص عليها في بنود النظام، وفقاً للدراسة التي تقدمها الجهة المختصة للوزارة.
مستشار وزارة البيئة والزراعة القانوني أحمد العبادي يؤكد أن نص المادة الرابعة من نظام المحميات هو واجب التطبيق وان تعديل حدود المحمية هو أمر قانوني سندا لنظام المحميات والمتنزهات الوطنية بالمادة الرابعة منه.
إلا أنه وبالرجوع لنصوص قانون حماية البيئة ونظام المحميات والمتنزهات الوطنية نجد تعارضاً مع نصوص هذا القانون؛ إذ نجد أن نص المادة 12 من قانون البيئة تنص أنه:”يحظر القيام بأي نشاط أو أي تصرف من شأنه التأثير سلباً على البيئة في مناطق الشبكة الوطنية للمناطق المحمية، أو التأثير سلباً على النظم البيئية أوالتسبب في تدهورها أو القيام بأي تصرف من شأنه الإخلال بالتوازن الطبيعي في أي منها بما في ذلك:١-إتلاف التكوينات الجيولوجية أو الجغرافية أو الأماكن الطبيعية أو الجمالية التي تعد موطناً لأنواع الحيوان والنبات ولتكاثرها وتدمير أي منها ٢-التعدين وشق الطرق أو ممارسة أي أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية أو خدمية”، بالتالي فإنه وفقاً لهذا النص عملية التنقيب عن النحاس الحالية هي مخالفة للقانون.
أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين يقول أنه في حال تعارض نصيين تشريعيين أحدهما نظام والآخر قانون فإنه يتم تغليب النص القانوني ويكون النص الواجب التطبيق، مبيناً أنه في هذه الحالة عملتي التنقيب والتعدين داخل المحمية هما مخالفة صريحة لأحكام القانون.
بدوره يؤكد القاضي السابق صلاح الشوشاري أنه في هذه الحالة يجب تغليب النص القانوني كونه أعلى بمراتب الهرم التشريعي استنادا لمبدأ التدرج” بالقواعد التشريعية”، وكونه يحمي البيئة استناداً للمبدأ القانوني”الحق الأجدر بالرعاية “.