منذ تسجيل الحالة الأولى بفيروس كورونا في الأردن، لمواطن قادم من بريطانيا، في أذار العام الماضي، عزمت الحكومة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الفيروس، فأعلنت دخول البلاد تحت أحكام أوامر الدفاع من حظر شامل، تضمن إغلاق كافة القطاعات التعليمية من مدارس وجامعات، والاقتصادية وأخرى خدمية واسعة.
ومع بداية العام الدّراسي الجديد ( 2020 -2021 ) خرجت الحكومة بتصريحات صحفية أكد فيها وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي عودة الطلبة إلى مدارسهم ضمن إجراءات وقائية وبرتوكول صحي مشدد على للحفاظ على سير العملية التعليمية. إلا أن التخوف بقي مسيطرا على الأهالي والطلبة، خصوصا في ظل عودة ارتفاع وتيرة الإصابات في شهر آب من العام الماضي، أي قبل شهر من بداية العام الدراسي. مما حدا بالأهالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردنيون، وأتت كورونا وما رافقها من إجراءات لمكافحتها، على قوتهم الاقتصادية، إلى نقل أبنائهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية. وهو ما شكّل عبءً إضافيا على المدارس الحكومية، حيث تشير أرقام وزارة التربية والتعليم إلى انتقال ما يقارب 45 ألف طالب وطالبة من الخاص للحكومي.
https://cdn.knightlab.com/libs/timeline3/latest/embed/index.html?source=1-DmKWfUokbOQiL-EHkunLooLdRuDnZmn2htieScDruA&font=Default&lang=ar&initial_zoom=2&height=650
يقول حمزة مجدلاوي أحد العاملين بالقطاع السياحي، والذي تأثَّر بجائحة كورونا إنه قرر نقل أبنائه إلى المدراس الحكومية، نتيجة تأثر قطاع السياحة بشكل كبير، الأمر الذي انعكس على دخله ومصاريفه، فكان الأفضل تخفيف المصاريف بنقل أبنائه إلى المدراس الحكومية. حيث أن الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة تشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلة الأردنية تحول دون دفع هذه المبالغ في ظل الوضع الاقتصادي الصعب بسبب الجائحة و قرارات الحظر الذي رافقتها .
وأكد نقيب أصحاب المدراس منذر الصوراني أن التحديات التي تواجه قطاع التعليم الخاص كبيرة، وتفاقمت هذه التحديات في ظل الجائحة وما رافقها من إجراءات حكومية لمكافتها، وانتقال عدد كبير من الطلبة إلى المدارس الحكومية.
وساهمت الإجراءات المتخذة والبنية التحتية في المملكة إلى تردي الوضع الاقتصادي للطلبة وأهاليهم، في فقدان الكثير منهم حقهم في التعليم، وهو من الحقوق التي كفلها وضمنها الدستور الأردني، فبحسب أرقام وزارة التربية والتعليم فإن الملتزمين بمتابعة منصة درسك بشكل يومي تبلغ نسبتهم 55% فقط، في حين أن نحو 11.5% من الطلبة لم يسجلوا إطلاقًا بالمنصة، والنسبة المتبقية غير ملتزمة بالحضور اليومي فيها.
وإن كانت الحكومة ترى في النسب التي تم تحقيقها إنجازاً، فإن تربويون أكدوا أن هذه الأرقام قد خلقت جيل ضائع محروم من التعليم ،
فبحسب أرقام الوزارة فإن أكثر من 165 ألف طفل ممن لم يسجلوا في المنصة إطلاقاً هم مهددون بفقدان حقهم بالتعليم بشكل تام
وما زالت الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تتغنى بنجاح عملية التعليم عن بعد، فيما لم تنتبه إلى نسبة الطلبة الذين فقدوا حقهم بالتعليم وانقطاعهم عنه، بسبب سوء خدمات الانترنت في كثير من مناطق المملكة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الأرقام كثيرًا ما تخدع فهذه النسبة تعني إن هناك 600 ألف طالب و طالبة لا يستطيعون متابعة منصة درسك وهذا رقم كبير مما يعني فاقدا تعليما و تربويا لابد من ايجاد وسيلة ليتم تعويضه .
وأكد خبراء بالعملية التربوية، أنه لا بديل عن التعليم الوجاهي في المدراس خاصة للصفوف الثلاث الأولى .
وقال الخبير التربوي الدكتور صالح بركات إن المدراس ليست مكانا فقط للتعليم، بل هي مكان للنظام و الانضباط في العملية التعلمية والتعليمية التربوية ، فقد انتشر بين أبنائنا الطلبة سلوكيات سلبية كالكسل والخمول وعدم احترام الوقت .
وأضاف بركات أن هذا يدفعنا إلى ضرورة العودة وبشكل ملح إلى التعليم المدرسي الآمن، خصوصا إذا ما عرفنا أنه كلما طال أمد الانقطاع عن التعليم كانت العودة إلى المدرسة أكثر صعوبة، مما يجعلنا أمام مخاطر التسرب المدرسي لمئات الآلاف من الطلبة .
وقال بركات إن الاشكالية تطال بشكل رئيس فئة طلبة الصفوف الأولى الذين هم الأكثر ضعفًا و هشاشة و بالتالي فان الاستمرار بهذا النهج سيكون له أثر مدمر على أطفال الوطن، ليس حاليًا فقط بل و مستقبلًا .
خبراء وأهالي يقودون حملات وطنية للعودة للمدراس
(الحملة الوطنية للعودة الآمنة إلى المدراس )
وهي إحدى حملات المطالبة بالعودة إلى المدارس والتعليم الوجاهي، ضمن برتوكولات صحية، تضمن سلامة الطلبة والعاملين في المدارس، وينضم إليها عشرات الآلاف من الأهالي ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية وخبراء ومهتمون.
ودعا الناشطون في الحملة إلى ضرورة التنبه لعدة أمور تخص العملية التعليمية عن بعد، منها أن الأسر الأردنية غير مهيئة لتكون كادر تعليمي رديف في إشارة واضحة لدور الأهل في متابعة علمية التعلم عن بعد لدى أبنائهم، وأن أعراض متلازمة الشاشات نتيجة جلوس الاطفال لساعات طويلة خلف الأجهزة الإلكترونية بدأت بالظهور وهو ما يشكل خطرا حقيقيا يهدد نماء أطفالنا وغيرها من نتائج التعليم عن بعد السلبية.
تشير الدكتورة أسيل الجلاد من الناشطين في الحملة، وهي من الكوادر الطبية وأم لطفلين في الصفوف الأولى إلى أن المدارس هي الخيار الأنسب لنشر الوعي بالثقافة الصحية و أهمية التباعد والالتزام بالكمامة التي أثبت أنها أفضل طريقة لتجنب نقل العدوى.
وأضافت الجلاد إن التفاعل بين الطلاب والمعلمين عنصر أساسي لنجاح العملية التعليمية، و مهما تطورت المنصات لن تتوفر فيها مميزات التعلم الفاعل في التعلم الوجاهي في المدراس .
ويقول الدكتور أنس المحتسب أحد مؤسسي حملة جسد واحد لمواجهة وباء كورونا أنه يجب النظر في إغلاق المدراس و بالذات الصفوف الأولى لأهميتها في التكوين المعرفي و السلوكي لدى الطلبة وحتى لا تتضاعف الآثار المستقبلية للجائحة .
وأكد أن إعادة فتح المدارس سيساهم بإعادة إنعاش الاقتصاد الذي تدمر بشكل كبير جراء قرارات الحظر الشامل والحظر الجزئي وحظر يوم الجمعة الذي تم فرضه. مشيرا إلى أن دولًا عديدة أعادة فتح مدارسها أمام الطلبة في رسالة واضحة أن المدراس لا يمكن تصنيفها بأنها أماكن تساهم بنشر الوباء .
وإلى رأي المتخصصين حيث أكد عضو لجنة الأوبئة الدكتور عزمي محافظة أن المدراس لا يمكن أن تكون بؤر انتشار للمرض ولا يحصل بها انتشار كبير للفيروس. منوها إلى أن الأطفال يكتسبون العدوى من البيوت والمجتمع وليس العكس وهذا ما ثبت في الأردن حين أغلقت المدارس ومع ذلك زاد الانتشار حتى وصلت أعداد الإصابات اليومية إلى 5000 إصابة خلال شهر تشرين الثاني .
وواجهت قرارات وزارة التربية والتعليم بكثير من السخط الشعبي، ونقد الخبراء التربيون، حيث أشار الأهالي إلى ضرورة إعادة النظر بقرارتها والتشاركية مع لجنة الأوبئة والجهات ذات العلاقة للعودة إلى المدارس.
وتقول الطبيبة سوزان العمري وهي أم لطفلين أحدهما بالصف الأول الأساسي و الثاني بالصف الرابع إننا نواجه تحديات كبيرة في عملية التعليم عن بعد، حيث أن تواجدنا خارج المنزل يكون لساعات طويلة ونواجه صعوبة في متابعة أبنائنا لعملية التعلم عن بعد ، مضيفة أن المعلم خلال التعلم الوجاهي كانت يتحمل عبء أكثر من 50% من العملية التعليمة و إيصال المعلومة لكل طفل أما الآن تحول هذا العبء من المعلمين للأمهات بسبب نظام التعلم عن بعد.
من جانب آخر فقد ساهمت أزمة كرورنا بتغير الكثير من السلوكيات المجتمعية و فرضت قوانين جديدة على المجتمعات كافه من تقليل التجمعات وارتداء الكمامة وعدم المصافحة مما أثر على الحالة النفسية للأفراد .
فاليوم يقضي الطالب وقته بمتابعة دروسه عبر منصة درسك الحكومية والمنصات الأخرى التي وضعتها المدراس الخاصة كوسيلة لنظام “التعلم عن بعد”، و بعد ذلك يقضي وقته بحل الواجبات و إرسالها عبر المنصة التي تحتاج لجهاز إلكتروني بطبيعة الحال الذي لم يعد امتلاكه ترفًا إنما ضرورة مُلحة، وزاد الطلب على الأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها، بشكل كبير ورافق زيادة الطلب، أيضا زيادة في الأسعار.
يقول محمد حلاوة صاحب محل أجهزة إلكترونية إن الطلب على الأجهزة قد زاد لكن عملية الاستيراد توقفت خلال الشهور الثلاث الأولى من عمر الأزمة حين أغلق المطار و الآن أصبح الاستيراد أصعب وعليه كلفة أعلى من قبل، مما كان له الأثر على كمية الأجهزة التي يتم استيرادها و الكلفه المالية لذلك ارتفعت أسعار هذه الأجهزة، مشيرا إلى أن حجم الطلب ازداد بنسبة 70% و لكن ما هو معروض من أجهزة إلكترونية بالسوق لا يلبي الطلب المتزايد على الأجهزة الإلكترونية المختلفة من أجهزة حواسيب و”تابلت”.
ويحاول الأهالي إلى حل مشكلة أوقات الفراغ لدى أبنائهم، ليتمكنوا من ممارسة أعمالهم بيسر، فتوجه الكثير من الأهالي إلى تسجيل أبنائهم في النوادي الرياضية، وما لبث إلى أن جاء أمر أغلاقها باعتبارها أماكن قد تزيد من أعداد الإصابات بفيروس كورونا.
كل هذه المشكلات التي واجهت الأهالي والطلبة، أوصلتهم إلى حالة نفسية صعبة نوعاً ما، نتيجة الضغوط التي نمر بها بحسب أهالي الطلبة ممن شاركوا بالحملة الوطنية للعودة الآمنة للمدراس.
تسببت جائحة كوفيد-19 في أكبر انقطاع للتعليم في التاريخ، وأثرت بشكل مباشر على الطلبة بكافة مراحلهم، وخصوصا المدرسة والمعلمين. وبحسب الاحصائيات العالمية فإن وبحلول منتصف نيسان/أبريل 2020 كان 94 بالمئة من الطلبة على مستوى العالم قد تأثروا بالجائحة، وهو ما يمثل 58,1 بليون من الأطفال والشباب، من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي في 200 بلد.
وتختلف القدرة على استجابة إغلاق المدارس اختلافاً لمستوى التنمية فعلى سبيل المثال، كان هناك 86 بالمئة من الأطفال في التعليم الابتدائي خارج
المدارس من الناحية الفعلية خلال الربع الثاني من عام 2020 في البلدان التي توجد بها مستويات متدنية للتنمية البشرية مقابل 20 بالمئة فقط في البلدان التي توجد بها مستويات عالية جدًا للتنمية البشرية.