عمان- سوسن أبو السندس
حين وقعت عيناي على ذلك الشاب الصغير رأيت شابا طبيعيا، يشارك أقرانه في ألعاب الفيديو من داخل منزله، كان متحمسا جدا لتسجيل الفوز في مباراته الافتراضية، سامي فتى حالم بمستقبل واعد ، إلا أن أحلامه ماهي إلا رهينة عند مرض أحل به وهو في الثانية من عمره، قال سامي معبرا عن حالته الصحية ” أصعب شي الجلوس مع الأولاد في الحارة ” فقد كان ومنذ زمن غير بعيد يشاركهم في لعب كرة القدم، لكن ليس بعد الآن، يعبر سامي عن أصعب ما يواجهه مع أصدقائه بقوله “نفسهم يسألوني ليش صرت ما تعرف تمشي”.
في الثانية من عمره، لاحظت والدته تأخر المشي عنده مقارنة بأقرانه، سارعت به إلى طبيب الأطفال علّها تجد له العلاج، لكنها وجدت ما لا يسرها وعلمت بعد التحاليل المطولة أن فلذة كبدها يعاني من مرض يسمى “الحثل العضلي” أو ما يعرف بمرض ضمور العضلات، وهو مجموعة من الاضطرابات الجينية الوراثية تضعف العضلات، ولا يلبث الأمر أن يسوء كلما تقدم حامل هذا المرض في العمر.
تقول أم سامي بعد عدة تحاليل تم إجراؤها أجمع الأطباء على أن كل ما يستطيع الطب تقديمه مجرد معالجة الأعراض الناتجة عن المرض من خلال العلاج الطبيعي، والذي يساعد المريض في التعايش مع وضعه القائم، حيث يتم تعليمه آلية الجلوس على الكرسي المتحرك ، وكيفية الأكل وأن يخدم نفسه بنفسه في ظل الظروف المحيطة، الأمر الذي لم تجد منه جدوى فيما بعد فقررت أن توقف العلاج الطبيعي، ظلت حالة سامي تزداد سوءا مع مرور الوقت إلى أن فقد قدرته على المشي تماما وهو الآن في الصف العاشر.
“أن تكون مختلفا هذا أمر الله، لكن أن تتعايش مع قدرك هذا قرارك” تلك كانت مداخلة الوالد الذي أكد على أنه لم يعامل ابنه معاملة مختلفة عن إخوانه في المنزل، حيث كان يمنحه كامل الحرية في اختيار برنامجه ونشاطاته اليومية مع أقرانه أينما أراد أن يذهب وفي أي وقت يراه مناسبا، “كل ما قدمناه له هو الدعم المعنوي” حتى يستطيع أن يكمل حياته بشكل طبيعي.
أما عن المحاولات البائسة للوصول إلى علاج، تقول أم سامي إن تكلفة العلاج تحتاج إلى ملايين الدنانير وإلى جرعات متكررة لدواء يمنع تطور المرض، ولن تستطيع معظم العائلات تحمل تلك التكاليف ولا حتى الدولة “وليس بأيدينا غير الدعاء”.
تعاني عدة أسر في الأردن من إنتشار الأمراض الوراثية، يقول د. صفوان دبابنة رئيس قسم الوقاية من الأمراض الوراثية والخلقية في وزارة الصحة إن مسببات الأمراض الوراثية متعددة ومختلفة، فقد تكون بسبب اختلال في الجينات السائدة إذ يكفي إصابة أحد الأبوين لانتقال المرض للأطفال، وقد تكون بسبب طفرات جينية غير مسبوقة في العائلة من قبل، إلا أن أكثرالأمراض الوراثية انتشارا تلك التي تنتقل عن طريق الصفة الوراثية المتنحية جينيا، أي أن تشابه الجينات المريضة الذي يتماشى مع زواج الأقارب يؤدي إلى انتقال الأمراض إلى الأطفال.
ويضيف د.دبابنة أن حدة الأمراض الوراثية وأعراضها تختلف من مريض إلى آخر، فبعض الأمراض سببها نقص أو خلل في إنزيم معين يفرزه الكبد والذي يقوم بدوره بتحليل المواد الأساسية إلى مواد بنائية مهمه للنمو، وأمراض أخرى سببها عدم وجود “الإنزيم المتسبب في المرض” من الأساس، وكل خلل في إنزيم من الإنزيمات التي ينتجها الجسم يكوّن مرضا جديدا بأعراض جديدة مختلفة، وعند تحديد ذلك الأنزيم المفقود أو الناقص تبدأ رحلة العلاج بإعطاء المريض دواء يسمى”الأنزيم التعويضي”، إلا أن بعض المرضى لا يتجاوبون مع العلاج، ولا تمتصه أجسامهم، إضافة إلى أن تكلفة العلاج مرتفعة جدا ففي بعض الحالات تصل إلى ما يقارب 6 مليون دينار للمريض الواحد مثل مرض يسمى” جوشر”، أما مرض ليث فإن تكلفة علاجه ومن يماثله من مرضى قد تكون أعلى من ميزانية الوزارة ويتعذر على الوزارة إحضاره.
وفي ظل تعدد أسباب الأمراض وإختلاف أعراضها، ونقص في الإنزيم التعويضي كحالة سامي، وشح في بعض الأدوية التي تعالج أمراض معينة وعدم وجود الأجهزة المخبرية والقدرات التشخيصية التي تؤكد الإصابة في مراحل مبكرة، يعيش المصابون وذووهم معاناة نفسية ومجتمعية ومالية يصعب وصفها. بحسب البرنامج الوطني للمسح الطبي لحديثي الولادة الصادرعن وزارة الصحة فقد تبين وجود عدة أمراض تعتبر الأكثر انتشارا في الأردن، تقوم الوزارة بتغطية وتأمين العلاج لهذه الأمراض، ومن أكثر الأمراض إنتشارا في الأردن مرض “التفول”، الذي ينتقل عن طريق الكروموسوم الجنسي أي أنه يصيب جنس الذكوربنسب أكثر، بسبب أمور جينية تتعلق بنقص انزيم خاص عند الذكور، ففي حال أكل الطفل “الفول” تتكسر كريات الدم الحمراء، وإن ترك الطفل دون علاج قد يتسبب ذلك له بنقص الإنزيم ثم الوفاة، ويبلغ عدد المصابين في الأردن عام 2018 ما يقارب 4151 حالة إصابة، ولوحظ ارتفاع في أعداد المصابين وذلك لزيادة أعداد الفحص.
المصدر:وزارة الصحة
وأردف د.دبابنه قائلا “أن هناك أمراضاً نستطيع علاجها كدولة، وأمراضاً أخرى تحتاج ميزانية أكبر من ميزانية وزارة الصحة”، وأفضل مثال على ذلك أن بعض الأمراض لها تأثير إستقلابي على الجسم وتوصف بأنها خلل كيميائي ينتج في مرحلة تحويل الطعام إلى بروتينات يحتاجها الجسم، وحين يتناول المريض طعاما عاديا ك “الجبنة أو الخبز” يصبح هذا الطعام بمثابة السم القاتل له، مثل مرض”الفينيل كوتولينيا” وهو من أحد الأمراض المنتشرة في الأردن، ولا يستطع الطفل المصاب بهذا المرض تناول حليب والدته، لذلك تؤمن له الدولة حليبا خاليا من الأحماض الأمينية، وبالتالي يستطع الطفل أن ينمو بطريقة صحية وسليمة، إضافة إلى أن تناول هؤلاء المرضى للغذاء الطبيعي قد يسبب لهم إعاقة “عقلية وحركية”.
الأدوية والحليب الخاص الخالي من الأحماض الأمينية المقدم لمرضى الفينيل كوتولينيا
زواج الأقارب وعلاقته بالأمراض الوراثية:
يرتبط الزواج بشكل كبير في العادات والتقاليد و القيم الإجتماعية السائدة، وما زال زواج الأقارب من العادات السائدة والمنتشرة في الأردن بالرغم من انتشار الأمراض الوراثية داخل العائلة الواحدة، وبحسب د. دبابنة أن السبب الرئيس لانتقال الأمراض الوراثية هو زواج الأقارب حيث أن 89% من حالات مرضى “الفينيل كيتونيوريا” آباؤهم أبناء عمومة من الدرجة الأولى.
وبحسب مسح السكان والصحة الأسرية في الأردن للعام 2017-2018 تتوزع نسب زواج الأقارب، حيث تتصدر مادبا بنسبة 34% من زوجات أفدن أنهن تزوجن من الأقارب مقارنة مع 65% من زوجات أفدن أنهن تزوجن من الأغراب.
المصدر:مسح السكان والصحة الأسرية
أوضحت د. ميساء الرواشدة أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، أن المجتمع الأردني لا يزال مجتمعا محافظا في أغلب المناطق، لا يسمح بالانفتاح أو الاختلاط بين الجنسين ذلك الذي يقلل فرص التعارف واختيار شريك من خارج نطاق الدائرة المحيطة، وحين يتعلق الموضوع بالزواج يلاحظ تفضيل الزواج المرتب مسبقا أو ما يعرف ب “الزواج التقليدي” إما من الأقارب أو المعارف، وذلك للتشابه الفكري والروحي والديني بين العائلتين، و ينعكس فيما بعد على تكاليف الزواج الميسرة بسبب درجة القرابة، وبالتالي الوصول إلى زواج ناجح ودائم.
وأضافت د. الرواشدة أن النظرة الاجتماعية للمرأة والحرص الزائد لاختيار شريك مناسب يؤمن لها الاستقرار تنحصر حسب وجهة نظر الأهل بالأقارب، بناء على المعرفة المسبقة لأهل الزوج، فرابط الدم إضافة إلى رابط الزواج قد يشكلان مانعا أمام الزوج وأهله من إلحاق الضرر أو الأذى بابنتهم. إضافة إلى حرص العائلة على عدم تفتيت الثروة عند توزيع الميراث، وبقاء الأموال النقدية والأراضي داخل العائلة وتحديدا في الأقارب من الدرجة الأولى، وقد تكون الأخيرة سببا مباشرا لتفضيل زواج الأقارب.
علّق د. طلال القضاة رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية أن خوف البعض من فكرة “العنوسة” تدفع الفتيات إلى القبول بما هو متوفر وكأنهن استسلمن لواقعهن، ومن ملاحظاته لبعض الحالات يرى أنهم يميلون إلى عدم الوثوق بالدراسات والتحاليل الطبية التي تحذر من زواج الأقارب، بل على العكس تماما فإن بعض المقبلين على الزواج يمتنعون عن إجراء فحص ما قبل الزواج ويقدمون أوراقا مزورة تثبت خضوعهم للفحص الطبي.
عزت السيدة أم سامي السبب في تزويج ابنتها الوحيدة إلى شاب من العائلة إلى “النصيب” رغم وجود تاريخ مرضي في العائلتين، تقول ابنة أم سامي (العروس) ” اللي منا تعو لعنا” وذلك لعزوف العائلات الأخرى من الارتباط بهم خوفا من انتقال الأمراض الوراثية إلى أبنائهم.
يعلق معالي د.هايل داود أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية أنه لا يوجد محظور شرعي يمنع زواج الأقارب، ولكن هناك تفضيل لتغريب النكاح بسبب النواحي الطبية، وهناك إشارة في بعض الأحاديث النبوية إلى أن زواج الأقارب يساعد على انتقال الأمراض الوراثية، وذلك ما أثبته العلم الحديث في أن زواج الأباعد يؤدي إلى قوة النسل أكثر من زواج الأقارب.
المعاناة النفسية والمادية والمجتمعية:
“الله يعوض عليكِ والله يختار الأحسن، أبغض الكلمات على مسمعي” تقول السيدة سهير بعد سنوات من انتظار الإنجاب منّ الله عليها ب “سلمى بنتي الكبرى”. ولم تنتظر الأم طويلا حتى رزقت بحمل ثان رغم أنها من ذوات الحمل النادر أي “الحمل العزيز” على حد تعبيرها.
وخلال الشهر الثامن وعند موعد إجراء الفحوصات الدورية، تجمع الأطباء أثناء الصورة (الثلاثية الأبعاد للجنين) ليجدوا أن هناك تجمعا مائيا زائدا في الدماغ، إلا أن الأطباء رجحوا خروج الماء بشكل تلقائي وأن هذا التجمع المائي هو عرض لا يؤخذ به، حينها سلمت الأم بقدرها، إلا أنها أنجبت طفلا معاقا عقليا، منذ لحظاته الأولى وبمجرد النظر إليه أحست الأم أن طفلها غير طبيعي، لذلك يردد الجميع حولها أمنيات العوض الجميل، أما عن أمنياتهم فلم تفلح في تغيير الواقع المرير، وما لبثت الأم بعدها أن أنجبت طفلين يعانيان ذات المرض كما يعاني أخوهم الأكبر، لتكتشف بعد أن كررت الإنجاب أن طبيعة معاناة أولادها ما هي إلا بسبب مرض وراثي سببه تشابه الجينات المريضة مع زوجها، فزوجها هو ابن عمها.
وعندما سئلت السيدة سهير عن سبب تكرار الإنجاب أجابت “ظننت أن ماحدث مع ابني الأول سببه تعسر الولادة، ولم يشخص أحد من الأطباء حالته” مرجحين أن نقص الأوكسجين عند ولادته هو سبب إصابته بالإعاقة العقلية ، لذلك وبالاتفاق مع طبيب التوليد أجرت عملية جراحية للولادة لتجنب طفلها الثاني خطر نقصان الأوكسجين الذي تسبب بإعاقة ابنها البكر. ظنت السيدة سهير أن ابنها سليم، إلى أن بدت الأعراض بالظهور بعد إنهاء عامه الأول، ليتبين بعدها أنه مصاب بنفس الضمور العقلي لكن بنسبة أقل، أما عن الطفل الثالث الذي حملت به بعد التشاور مع الطبيب، فقد أقر لها دواء ” حمض الفوليك ” الذي يحمي الجنين من التشوهات، الأمر الذي لم يفلح وبانت عليه أعراض الضمور العقلي أثناء شهرها الرابع، ليقرر الطبيب والأم إجهاض الطفل.
علق د. القضاة على فكرة الإجهاض بقوله إن الإجهاض في جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية مجرَّم وممنوع، وأقرت دائرة الإفتاء الأردنية بأن الإجهاض يصبح محرما بمجرد الإخصاب إلا إذا كان هناك سبب طبي يبرر ذلك.
قال د .الدبابنه إن الدستور الطبي يجيز الإجهاض ضمن ثلاثة أسباب أولها الخطورة المؤكدة على حياة الأم، وثانيها إن كان المولود بلا رأس، أما الثالث فأن يثبُت على الجنين إصابته بالحصبة الألمانية التي ينتج عنها تشوهات خلقية في جميع أجهزته الحيوية وبالتالي تجعل منه إنساناً غير قابل للحياة، ولإقرار الإجهاض لابد من تكوين لجنة تحتوي على طبيبي نسائية وطبيب أطفال و طبيب شرعي، وفي حال أقر أي طبيب الإجهاض دون مراعاة الشروط أعلاه، يُعتبر ذلك تجاوزا للدستور الطبي، و يقف أمام المدعي العام بتهمة القتل.
توجهت السيدة سهير إلى عيادات المدينة الطبية لإجهاض الطفل، إلا أن الطبيب فضل إجراء صورة رباعية الأبعاد للدماغ من قبيل التأكد من حالته، ليجد أنه سليما معافى، وليغض الطرف عن إجهاضه، ولا أدري أيهما أنقذ ؛ نفسه أم الجنين! وواقع الحال أثبت أن طفلها الثالث مصاب تماما بمرض إخوته.
تعاني السيدة سهير الآن مع ثلاثة أولاد ، جميعهم يحتاج إلى عناية خاصة في المأكل والمشرب، وإلى جلسات دورية متخصصة في العلاج الوظيفي أو ما يعرف بالعلاج الطبيعي، إلا أنها توقفت عن إكمال الجلسات وقالت “لا تحسن واضح يذكر ولا فائدة مرجوة من العلاج”، إضافة إلى صعوبة تنقلها بثلاثة أطفال مقعدين.
تؤكد د.عالية الغويري أستاذة العلاج الطبيعي في الجامعة الأردنية على أهمية العلاج الطبيعي، لما له من دور بارز في إيقاف المضاعفات الثانوية للإعاقة مثل تيبس المفاصل الناتج عن قلة الحركة، أو إيقاف تدهورحالة المريض الوظيفية، إضافة إلى تحسين استقلالية المريض ذلك الذي يخفف قليلا من العبء على الأهل، حين يستطيع المريض القيام ببعض وظائفه بنفسه.
أما عن سبب عدم استمرار الأهل في الخطة العلاجية، تقول د. الغويري يظن الأهل أن العلاج يقدم حلا شافيا للمريض، في حين أن لبّ العلاج الطبيعي يتمركز على وقف تدهور الحالات فقط، ليأتي دور المعالج و يوضح طبيعة الأمر ولا يقدم أملا زائفا للأهل، وهنا يبرزأهمية تأهيل الأم للاستمرار في العلاج المقدم للمريض للوصول إلى أفضل النتائج.
يعتبر تشخيص المرض من أكثر الخطوات صعوبة تقول د. الغويري إن تأخر التشخيص يجعل المريض يفقد كثيرا من خلاياه وقد تصل الأمور إلى التخلف العقلي الكامل رغم ولادته طبيعيا، وتسند سبب تأخر التشخيص إلى أن العائلات لا تدرك مرض ابنهم حتى يتأخر في المشي وحين عرْضه على الأطباء يتبين أن تأخر المشي ماهو إلا مشكلة واحدة ضمن مجموعة من الأعراض الأخرى مثل تأخر النطق وارتخاء في عضلات العين وغيرها.
ويضيف د.القضاة أن المنظومة التعليمية والمجتمعية لا ترحب بالمختلف، لا بل على العكس عند محاولة دمجه مع الأصحاء تكشف عن ضعفه أكثر، وعن عجزه في الاندماج، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عكسيه، إذ إن نقص المؤسسات التعليمية الحكومية والعلاجية المخصصة لتلك الفئة أبعدتهم عن المجتمع، وقدمتهم بصورة أشخاص ضعفاء لا يستطيعون خدمة أنفسهم في أبسط الحاجات.
هل يغطي التأمين الصحي تكلفة العلاج :
بحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “للمريض الحق في الحصول على علاج ذي جودة عالية و يناسب حالته بدون تمييز بين المرضى، وللمريض الحق في اختيار مؤدي الخدمة و تغييره إذا كان ذلك يتوافق مع النظام الصحي للدولة”
وبناء على ذلك قال رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز في مؤتمر (التأمين الصحي الشامل) إنه ” قد حان الأوان للخروج بخطة واضحة مرتبطة بجدول زمني لتطبيق التأمين الصحي الشامل للمواطنين كافة”، مضيفاً “سنطلب من فريق عمل مصغر جداً لدراسة المخرجات، وبعدها ستتخذ الحكومة قرارات تتعلق بالتشريعات، أو حتى هيئة مستقلة للتأمين الصحي”.
وبحسب مركز البيانات الاستراتيجية للقطاع الصحي، ما زال أكثر من 25% من السكان ليس لديهم أي شكل من أشكال التغطية الصحية، في حين أن أعلى نسبة للتغطية هي التغطية الحكومية للتأمين بنسبة 42% والتأمين العسكري بلغت نسبته38%.
وبحسب د.الغويري يحتاج المريض من جلستين إلى ثلاث جلسات أسبوعية في العلاج الطبيعي، التي تثقل على ذوي المصابين إن لم يكونوا خاضعين للتأمين الصحي، وأفادت أن المريض عادة لا يستطيع الحصول على جميع الجلسات لقلة عدد المراكز التي تغطي احتياجات جميع المرضى نظرا لانخفاض الطاقة الاستيعابية لها، وإن كان المريض حاصلا على تأمين صحي خاص فإن التأمين الخاص لا يكون شاملا بل يغطي عدد جلسات معينة فقط.
ومن جهتها أفادت الأستاذة دعاء عوف رئيسة قسم متابعة المحافظات في دائرة الـتأمين الصحي، أن جميع الأطفال تحت سن ست سنوات يشملهم التأمين الصحي، الذي يغطي جميع احتياجاتهم الطبية، علاوة على وجود نظام الخضوع الاختياري والذي يستطيع المواطن من خلاله الحصول على الخدمات الطبية في المستشفيات والمراكز الحكومية بعد أن يقوم بدفع اشتراك شهري بحسب الفئة العمرية لكل شخص في العائلة، ويؤمّن بدرجة ثالثة في المستشفيات الحكومية، وأضافت أن هناك تأمينا خاصا للحالات الإنسانية يسمى “تأمين الأسر الفقيرة” عن طريق وزارة التنمية الإجتماعية ، حيث يستطيع المريض تقديم طلب وبعد دراسة طلبه يعطى التأمين بشرط إثبات أن دخله الشهري أقل من 300 دينار، وأنه لا يملك بيتا أو سيارة، وبعدها يحصل هو والعائلة على تأمين كامل، ولفتت الأستاذة دعاء النظرإلى المنحة الملكية المعروفة باسم “شبكة أمان ” والتي قدمت إلى أكثر من 300 ألف عائلة من الأسر الفقيرة والمحتاجة، بالإضافة إلى برنامج “الدعم التكميلي” المقدم عن طريق لجان المعونة الوطنية، وأفادت أن التغطية الطبية شامله لكل التخصصات وأن المنتفعين يستطيعون الحصول على العلاج والدواء بالمجان.
أما فيما يخص الحصول على العلاجلات الخاصة بالإعاقات تضيف الأستاذة عوف أنه لا بد من التوجه أولا إلى مركز تشخيص الإعاقات ومن ثم تشخيص حالة المريض للحصول على تقرير طبي يوضح حالته، ثم يتوجه إلى دائرة التأمين لإصدار بطاقة تأمينية لمدة ثلاث سنوات وتشمل الخدمات المتاحة لحالته الصحية، إلا أن هناك حالات فردية خاصة تحتاج نوعا مكلفا من الأدوية أو الحُقن فلا بد من تشكيل لجان طبية تضم عددا من الأطباء.
وعلق الصيدلي عماد مسامح على أن آلية استيراد الأدوية الخاصة بالأمراض الوراثية تحتاج إلى إذن مسبق من وزارة الصحة، مبني على رأي لجنة طبية تقر فاعلية الدواء مع المريض وبناء على ذلك يتم استيراد الدواء من عدمه.
وفي ظل تلك العقبات المتمثلة بالخطوات البيروقراطية وقلة الإمكانات الطبية والتكلفة المرتفعة، تساهم المنظومة الصحية والتعليمية والثقافية المجتمعية في ترسيخ النظرة الدونية للمختلفين والمصابين بأمراض إعاقية سواء كانت حركية أو بصرية أو سمعية أو حتى عقلية،وتحولهم إلى أفراد غير منتجين.
الخطوات الأستباقية للوقاية من الأمراض الوراثية:
“أنا حامل وناقل للمرض” ذكر خالد وهو شاب تزوج قبل عام تقريبا أنه مصاب بمرض الثلاسيميا إلا أنه يعيش حياة طبيعية بفضل العلاج، قرر خالد الزواج وكانت أهم أولوياته أن لا تكون الزوجة ناقلة للمرض، وقبل الزواج خضعا للفحص، ليتبين أن زوجته سليمة، إلا أن ذلك لن يبعد احتمال إنجاب طفل مريض ولكن بنسبة ضئيلة، ويضيف نحن في بلد آخر يسمح لنا في الإجهاض حال ثبوت الإصابه عند الطفل، عكس الأردن، ومع ذلك فلو تكرر الحمل وثبتت إصابة الجنين لن “أجهض ابني فهو هدية من الله”.
بحسب د. الدبابنة هناك برامج استباقية ووقائية في وزارة الصحة تساعد في اكتشاف الأمراض وهي متوفرة ومجانية، إذ أصبح برنامج الكشف عن الثلاسيميا قبل الزواج إلزاميا منذ عام 2004 لكل المقبلين على الزواج، وبفضل ذلك لوحظ أن هناك انخفاض بأعداد المصابين بالثلاسيميا إلى النصف، وفي حال أظهر الفحص أن أحد الأزواج حامل للمرض فيقدم البرنامج استشارة مجانية توضح للمقبلين على الزواج خطورة الإنجاب، وإذا أصر الزوجان على إتمام الزواج فيتم متابعة المواليد بشكل دوري وسري.
أما عن سبب عدم وجود فحص طبي متخصص لكشف الأمراض الوراثية رغم وجود تاريخ مرضي في بعض العوائل أجاب د.الدبابنة أن اكتشاف الجين المصاب المسبب للأعراض مهمة مستحيلة، نظرا لتعقيد التفرعات الجينية الصغيرة المتعددة داخل جسم الإنسان، وبناء على أن الأمراض مختلفة ومتعددة إذ يقدرعددها بأكثر من 20 ألف مرض وراثي، تنتج بسبب تغيرات جينية يصل عدد التغيرات الجينية إلى 700 تغير في كل جين ولكل مرض، لذلك يعتبرالوصول إلى الخلل الجيني مسبقا مهمة مستحيلة.
وأضاف د.حسام قصراوي طبيب النسائية والتوليد أن هناك تقنيات حديثة في تقنية طفل الأنابيب قد تساعد على اكتشاف الخلل الجيني عند المريض، إذ لا بد من دراسة الخارطة الجينية للأهل والإخوة المصابين، ومن ثم تحديد الخلل الجيني، وأخيرا يتم إستبعاد الجنين المصاب ولا يتم إرجاعه إلى رحم الأم، وأكد على أن تلك التقنية لا تصلح مع جميع الأمراض الوراثية ألا أنها ناجحة جدا في مرض الثلاسيميا.
برنامج المسح الطبي لحديثي الولادة:
يترأس د.دبابنة اللجنة الوطنية للأمراض الوراثية التي تتألف من كل أصحاب القرار – بما فيها حضرة المفتي العام – لرفع توصيات لاعتماد وتحديد أنظمة وتعليمات جديدة تخص مجال الأمراض الوراثية، إضافة إلى برنامج المسح الطبي الذي أنقذ أعدادا هائلة جدا من الأطفال المصابين في الأمراض الوراثية قبل إصابتهم بأي عارض، ويدعو البرنامج الأهالي إلى الاستفادة من الفحص المجاني للطفل، عن طريق أخذ عينة دم في اليوم الثالث إلى اليوم الرابع عشر من ولادتهم، كخطوة إستباقية تمنع تبعات بعض الأمراض الوراثية وتقديم العلاج المناسب للحالات، وقد سطر البرنامج تجارب نجاح لأطفال يعيشون الآن بصحة جيدة ولا تظهر عليهم أي أعراض بسبب التدخل الطبي في الوقت المناسب.