علا الشخشير، محمد ملحم
في سن 16 من عمرها، تزوجت عواطف، القادمة من حمص من كرم الزيتون، رجلاً من العراق، يكبرها من العمر أكثر من خمس وعشرين عاماً. على الرغم من كبر سنه و زواجه من امرأة تسبقها، لم يكن لعواطف خيار آخر غير القبول بهذا الزواج، كون أنها فقدت والديها وتعيش مع إخوانها وأخواتها في وضع مادي حرج . وافقت عواطف على هذا الزواج لعله يكون لها سنداً يدعمها مادياً ومعنوياً، ويخرجها من مخيم الزعتري لتعيش في العاصمة عمان. وتضيف عواطف أن عادات أهل حمص في الأصل، تستوجب تزويج البنات في عمر مبكر إن لم يكن الوالد قادراً على اعالتهم.استمع
تجد عواطف صعوبة في التأقلم مع حياتها بعد الأزمة السورية وبخاصة بعد فراقها عن زوجها الذي تم منعه من الدخول إلى الأراضي الأردنية بعد مغادرته لها، لأسباب متوفرة لدى السلطات الأمنية. وتقول إنها لا تستطيع تحمل مسؤوية ابنها البالغ من العمر خمس سنوات وتفضل أن يعيش مع والدهاستمع
تقطن عواطف مع عائلة أختها، وتعبر عن خوفها على بنات أختها من الرجال الذين يتقدمون للزواج بهن، وهن لم يتجاوزن من العمر السادسة عشرة. وتقول أنه بمجرد أن يسمع الرجل بأن هناك بنات سوريات يطمع فيهن ويفضل أن يتزوج زواج عرفي دون تثبيته في المحكمة. استمع
تتمنى عواطف أن يعود الزمن بها، فتقول أن الفتاة أفضل أن تكون واعية عند زواجها لأن الفتاة الصغيرة من الممكن “أن يضحك عليها الرجال ويتسلى فيها ” وألا يوثق زواجه في المحكمة، وقد يتركها لاحقاً دون حقوقاستمع كما تطوق عواطف إلى أيام الدراسة والمدرسة، وتتمنى أن تكون قد أكملت تعليمها. حيث تقول إنه من الأفضل للفتاة أن تكون متعلمة على أن تكون “جاهلة”.استمع
التعليم كما تؤكد، قد تكون وسيلة لإعالة نفسها وطفلها في مثل هذه الظروف التي لم يخطر ببالها أن تواجهها يوماً.
أما أخت عواطف، فترى أن زواج عواطف كان غلطة تتحمل هي وإخوانها مسؤوليته، حتى لو أن الزوج يعاملها بحق، وتقول أن زواج الرجل من الفتاة القاصر، يدمر نفسيتها، فالطفلة عندئذ ترى الزوج كالوالد “وما بتقدر تعاشره وتتفاهم هي وياه”.استمع
ما بين الخيم والكارفانات في مخيم الزعتري شمال شرق العاصمة عمّان، والذي يؤوي قرابة 80.000 لاجئ سوري وسورية، ثمة قصص وحكايات أخرى ترويها فتيات قاصرات وقعن مبكراً في عش الزوجية. فمن الآثار التي خلّفتها الأزمة السورية، هي زيادة نسبة حالات الزواج القاصرات من الزواج الكلي للسوريات، وذلك لأسباب عدة، بحسب قول المتحدث الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، محمد الحواري ، منها قلق الأهل على الفتيات، وسوء الأوضاع الإقتصادية، ومحاولة توفير حياة أفضل للفتاة وعائلتها، وأضاف:” الأزمة السورية زادت من حالات الزواج المبكر لكن هناك سبب رئيسي لهذا الزواج وهو التقاليد الإجتماعية الموروثة للزواج المبكر في بعض مناطق سوريا، بما في ذلك المناطق الريفية في محافظة درعا، التي يأتي منها غالبية اللاجئين في مخيم الزعتري”.
وتقوم جهات عديدة مسؤولة تابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة بمبادرات لتنفيذ مشاريع وبرامج قائمة لبث روح الوعي وتطوير ذات الفتيات وتمكينهن وتقديم الوسائل التعليمة وتشجيعهم على الالتحاق بالمدارس، كدعم لهن على تجنب الزواج المبكر، حيث يبلغ اليوم عدد المدارس 29 مدرسة و27 مركزاً إرشادياً وتنموياً. حيث أن الزواج المبكر في مخيم الزعتري، كان سبب من عدة أسباب، لازدياد حالات العنف الإجتماعي في المخيم، إضافة إلى التفكك الأسري، بحسب قول الدكتورة سلمى النمسي، أمينة عام اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة.
وتكشف الأرقام الصادرة من دائرة قاضي القضاة والمتمثلة بالرسم التفاعلي أدناه، أن نسبة زواج القاصرات السوريات من العدد الكلي للزيجات السوريات بلغ 18% في العام 2012 ، و25% في العام 2013، أما العام 2014 فسجلت النسبة قيمة 32%، وفي العام 2015 وصلت إلى 35%، أما العام 2016 فسجل ارتفاع في النسبة قيمتها 37%.
وبحسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR للعام 2017، بلغ عدد الإناث في المخيم ذات الفئة العمرية ( 5-17 ) عاماً والملتحقات في المدارس 10,836 طالبة، من أصل العدد الكلي للإناث في المخيم لذات الفئة العمرية والذي يبلغ 14,264 فتاة. فبلغت نسبة الفتيات غير الملتحقات في المدارس إلى الملتحقات فيها 24% .
هذه الأرقام قد تعطي مؤشراً بأن الجهود التي تبذلها الجهات المسؤولة داخل مخيم الزعتري لنشر التوعية بضرورة التعليم والتمكين. إضافة إلى حلقات النقاش التي تقام في المخيم للحديث في شأن الزواج المبكر،غير مجدية. فما زالت ظاهرة الزواج المبكر تتنامى، ولم يسجل لها أي تراجع ملحوظ.
نقص الأوراق الثبوتية وعدم توثيق الزواج للاجئين السوريين أبرز ما يعيق تسجيل الشهادات الميلادية للأطفال، التزاماً بما ينص عليه القانون الأردني. ويوضح البيان الثالث أن نحو 41% من اللاجئين في المخيمات السورية في الاردن للعام 2016 هم من الأطفال ، منهم 18.1% لا يملكون شهادات ميلاد، مما قد يخلق جيل كبير في الأردن ممن هم فاقدي الهوية والجنسية، كما تعبر سوزان كشط، من منظمة اليونيسف. وبحسب الإحصائيات الصادرة عن اليونيسف للعام 2016، هناك 3200 طفل سوري دون شهادات ميلاد في الأردن، من مجموع الأطفال الذين ولدوا والبالغ عددهم 14500 طفل سوري ، حيث تم إصدار شهادات ميلاد لحوالي 10500 طفل سوري.
ويشعر القاضي أشرف العمري، المفتش العام في دائرة الإفتاء، بالإستياء من الزواج غير الموثق المتعلق باللاجئات السوريات في مخيم الزعتري، إضافة إلى مشكلة الزواج المبكر للفتيات دون سن الخامسة عشرة، والذي يتم، كما يقول، بعيداً عن مراقبة القضاء والأجهزة الرسمية. كما حذر من الآثار الكارثية لعدم توثيق الزواج على الفتاة وحقوقها والأطفال المتولدين من هذه الزيجات، خصوصاً النسب والهوية والجنسية والرعاية.ااستمع
ومن أجل التشجيع على توثيق معاملات الزواج، يقول العمري أنه تم إنشاء محمكة شرعية داخل مخيم الزعتري، وتم الإعفاء عن رسوم التوثيق البالغة 1000 ديناراً.
سميرة مسعود التي تقطن في مخيم الزعتري منذ قرابة الأربع سنوات، هي والدة لقاصر قد تزوجت حديثاً، وهي أيضاً “حماة” ل”كنة” تبلغ من العمر 16 عاماً، زوجة ابنها محمد البالغ من العمر 17 عاماً. تحدثنا سميرة عن تجربتها وتوضح أن سبب تشجيعها لابنها في الزواج هو ضمان عدم مغادرته لمخيم الزعتري والرجوع إلى سوريا، فبهذا الزواج يبقى إلى جانبهم استمع.
وتقول مسعود أن الفتيان عقولهم مختلفة في التفكير فهم يفضلون أن يتزوجوا من بنت قاصر لأن ذلك يمنحهم أفضلية تربيتهن “على أيدهم”. وتضيف أن الفتاة التي “راسها كبير” تخلق مشاكل.استمع
وتقول مسعود أن ابنتها وزوجة ابنها صغيرتان لا يجدن مسألة الطبخ وتخاف عليهن من استعمال الفرناستمع ،وعند سؤالها إن كانت حماة ابنتها تهتم بها وتخاف عليها، فقالت:” الله أعلم، أنا أمنتها للمراة”.استمع وتقول الزوجة أنها لم تُغصب على الزواج استمع
أما مسعود فتقول أنهم قاموا بتخيير العريس بين ابنتها الصغرى وبين الكبرى، ومنح فرصة الإختيار والتأكد من الفتاة التي يريد الزواج بها، لأنه في العادة يحصل أن يتم التباس والزواج من أخرى لا يريدها العريس، كما تقول.استمع